بقلم : علي أبو الريش
اليوم عيد، عيد الكِتاب والكُتّاب، عيد الأحباب والأصحاب، عيد الذين تسوروا بسوار الحلم، يبحثون عن ومضة غاصت في أتون الزمن، يسألون عن «لمضة» لم تزل الشغاف عارية منها، عيد يمتد لأيام يغسل السنين بالحنين، ويسرد حكاية النهار لطفل أو شبل، وكيف استمعت المحارات لوشوشة الموجة، وهي تبلل السواحل بالبياض، وتمنح الطير لغة العيون والجنون.
عيد هذا، والناس فيه طيور بيضاء، أعشاشها دفات الكتب، وتغاريدها الكلام المباح، عيد هذا والناس فيه غزلان، مراعيها كتب، وكحل العين حروف ملتهبة بالغيض. وفي هذا المعرض قد تغيب نجوم، وتبزغ نجوم، ولكن السماء تبقى صافية، سحاباتها شال أبيض شفاف أشف من عيون امرأة تاريخية المعنى.
عيد هذا، والمعرض يزخر ببساتين وزهور وفلاحين يزرعون المكان بحثاً عن قطف يلون الحياة، يزين العيون بألوان الطيف.
عيد هذا ونحن إذ نجوب الممرات والأزقة، والحارات والمدن والقرى، في هذا المعرض، نجد أنفسنا، نجد أحبابنا الذين غابوا ثم جاؤوا يطرفون بجفون ملؤها الفرح، وعيون تغزل خيوط السعادة، في بلد السعادة.
عيد هذا، وهذا عام، يتمشى الهوينا، والأيادي تلتئم كما هي الأفئدة، والحب وحده يرسم خارطة مزخرفة بجداول الكلمات، وحروف عناوين مدهشة، وسيول من البشر يتهافتون، مملوئين بالغبطة والسرور لأنهم فقط في معرض الكتاب، في قلب العاصمة الرائعة.
عيد هذا، ونحن نخطو خطوات متئدة، باتجاه هذا الكون الكتابي أو ذاك، وعيوننا معلقة في السماء، تبحث عن نجومها، عن كتابها المحبوبين، تبحث والسؤال معلق مثل المصابيح في سقوف الأبنية الشاهقة، السؤال يدفعنا إلى هذا المكان، فيرفعنا، ونشعر أننا عند مائدة الكلمة، تبدو الأشياء الأخرى ضئيلة، تبدو الرغبات الأخرى صغيرة إلى درجة التلاشي، لأن للكتاب رونقاً، ولأن للكتاب عشقاً وعاشقاً، ولأن للكتاب مساحة في الوجدان ومنطقة هالة في الزمان، فهنا يحضر الشاعر والروائي والفيلسوف، هنا يحضر التاريخ بحضاراته الآفلة والمقبلة والمؤجلة، هنا كل شيء يتألق بالحضور، لأن الحياة هي حضور، والحياة كلمة إنْ طمست انقرضت الأشياء جميعاً.
عيد هذا بالفعل لأنه يلبسنا ثياباً جديدة، ويمنحنا بوحاً جديداً، فعندما نقتني كتاباً، فإننا نحتل جزيرة عامرة بالحب، طيورها كلمات أجنحتها حروف معبقة بياسمين الألق.