بقلم : علي أبو الريش
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، أوعية تغص بالتشاحن والتطاحن يعرق الجبين عندما يقرأ مثل هذه الترهات، ويرتعد البدن لمثل هذه الخزعبلات التي لا تمت إلى حرية الرأي، ولا إلى الفكر النير بشيء، إنها فقاعات تلعب الجمباز على ظهور موجات العصبية والهستيريا والحماقات.. أفكار ساذجة ومسطحة تتلاطم، وتتزاحم، وتتفاقم، وتتجهم، وتثير غباراً، وسعاراً، ودواراً، وتطوق الأعناق بأنساق ما أنزل الله بها من سلطان.. ولا أحد من حاملي هذه الأفكار يفكر بوطن أو إنسان أو حياة، إنما التفكير منصب على أنانية الذات وتورمها، وتضخمها واحتقانها وعدم اتزانها، هؤلاء الأشخاص الغارقون في الشتائم، والسباب وكيل الألفاظ النابية والبذيئة، إنما هم طفيليات تخوض في فضاءات أغبرت رؤيتها، فأصبحوا يهيمون، ويتيهون، ويضيعون في مثل هذه الأجواء المواتية لمزاجهم ورغباتهم وطموحاتهم وآهاتهم وأناتهم.
هؤلاء الأشخاص، استغلوا وسائل التواصل الاجتماعي لكونها أوعية مفتوحة حتى آخرها ليعبروا عن أهوائهم وأشواقهم الدفينة التي تذهب إلى المخالفة من أجل الصعود على سارية الفراغات المتناهية، حقيقة الإنسانية أُبتليت بمثل هذه الشرائح، والأوطان تأزمت وتبرمت وتذمرت إثر هذه الأدخنة المتصاعدة.
وأعتقد أنه لابد من مقاييس ولابد من معايير وميزان يحدد هذا الضجيج، وكما قال صموئيل بيكيت «إذا كانت العربات الفارغة أكثر ضجيجاً، فمن الضروري، أن يكون هناك معيار ما يحدد مستوى هذا الضجيج»، حتى لا يتبعثر زجاج النوافذ، وتتناثر القصاصات الورقية، ويصبح التاريخ مجرد فتات لا معنى لها.
لا بد من قوانين تلجم مثل هذه الهوجاء، والشعواء، والعشواء والغوغاء، ومثل هذا الرغاء، والثغاء، حتى يسلم الجيل القادم من الملوثات البيئية، وحتى نحافظ على قيمنا من الانتهازيين الذين يلاحقون طواحين الهواء ليقولوا إنهم هم الذين يلطفون الأجواء، يجب أن نتخلص من التلاسن، ونتحرر من فئات لا تريد خيراً للأوطان، وإنما تفعل كل ذلك من أجل أن تقنع الآخرين أنها هي المصل الذي لا غنى عنه، في حماية القيم، فئات ضلت وتحاول أن تضلل الآخرين بأنها الجسر الموصل إلى الحياة ومن دونها لا حياة، الكذبة بدأت تكبر وتكبر حتى صدقها أصحابها، ويريدون من غيرهم أن يصبحوا عليها، وهذه هي معضلة العقل الإنساني عندما يصبح رهين الطلاسم التاريخية.