بقلم : علي ابو الريش
أحلامنا مثل أعمارنا، نكبر ونسعد لأننا تجاوزنا مرحلة الطفولة، لأننا نريد أن نصبح كباراً نقود السيارة، ونتزوج وننجب أطفالاً، ولكن لا ندري أن هذا القطار الذي ينقلنا إلى المحطة التالية، أنه يأخذنا إلى أرذل العمر، حيث يصير الجذع خاوياً، والثمار مثل خوخة فاسدة، ولا رجعة في العمر، وكذلك تكون الأحلام كلما كبرت، وتضخمت، وتوسعت حدقاتها أصبحت عرضة للتلف، والذبول، وكلما كانت الأحلام صغيرة ويافعة تكون بحجم حبة البلح في بداية نضوجها، تكون شهية، وبالغة مجدها في كسب رغبة الإنسان. الأحلام الصغيرة مثل عيون الأطفال تشع بالبراءة، وتومض بالبريق العفوي الجميل.
الأحلام الصغيرة مثل الفراشات المحلقة على براعم الشجر، ناعمة ورقيقة وأنيقة، ولها رائحة الأنفاس العاشقة. الأحلام الصغيرة كائنات ملائكية تحبو على سطح الوجدان، وتنمو وتلتقط حبات الحياة حبة حبة من دون تضخم، ولا تورم ولاتبرم ولا تلعثم ولا وتضرم ولا تجرم، إنها الأرواح الشفيفة العفيفة المنيفة الخفيفة الأليفة، الذاهبة بالقلب نحو ضفاف النهر، فتسقي ولا تشقي، وتحدق ولا تغرق ولا تمزق ولا تخرق، إنها المسافة القصيرة نحو المجد المجيد، واليوم السعيد، والتاريخ التليد، هي هكذا تجعلك في الممكن، تجعلك المتمكن في قطف الثمار، من دون سعار ولا غبار، إنها هكذا تمنحك الأرض السخية، واللقمة الشهية، هي هكذا تسير بك في طرقات معبدة، ووهاد ممهدة، تأخذك إلى الحياة وأنت تمسك بقبضة الأبواب الواسعة، وأنت تملك نفسك من دون شعاب تعرقلك، ولا هضاب تعيقك، هي هكذا تضيفك إلى العالم قمراً مضيئاً لا رقماً قميئاً، الأحلام الصغيرة تقودك إلى الحقل وردة زاهية، ونخلة بأغصان دانية، هي هكذا دائماً لا تضيق ولا تضنك، هي هكذا لا ترعب ولا تغضب، بل هي تكتب لك رسالة فحواها أن الذين يحلمون غير الذين يتوهمون، وأن الذين يخطون على الأرض غير الذين يتسلقون، وأن الذين يشربون من الماء الرقراق غير الذين يغدقون على أنفسهم من الضحالة، وأن الذين يتنفسون الهواء النقي غير الذين يجوسون في الحثالة.
الأحلام الصغيرة قاب قوسين من أنملة الأصبع، والأحلام الكبيرة مثل النجوم في السماء، إن تحملق بها تغشيك وتعميك عن رؤية حقيقتك، فتصبح أنت في الضياع، وطريقك التيه والتلاشي، ثم الاختفاء عن الوجود. الأحلام الصغيرة بمقاس الأسوار في المعصم الرهيف، هي كخاتم في خنصر أشف من قطرات المطر.
المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع