بقلم : علي ابو الريش
لو علمنا أن وظيفة الإنسان في الحياة هي حب كل ما في الوجود، لما أنجبت الأرض كارهاً أو حاقداً ولأصبحت النفوس البشرية مثل الأنهار، تمضي في الوديان من أجل تنقية الأرض من الشوائب، وتذهب إلى البحر بعد أن تروي الأشجار.
لم تحدث الحروب، ولا الكوارث البشرية، إلا بعد أن تخلى الإنسان عن دوره الريادي في الحياة، وانحرف باتجاه الأنانية، وصار لصاً كبيراً يسرق ما لغيره من حقوق، فالدولة الكبيرة تطغى، وتستولي على حقوق الدول الصغيرة، تحت ذرائع ومبررات وهمية.
والإنسان القوي يسير في الطريق ويدهس الضعفاء، بحجة أنهم يعرقلون طريقه إلى النجاح، والمدير في مؤسسة، أو وزارة، أو دائرة، يقف عقبة أمام الموظف الصغير، لأنه يخشى أن يكبر هذا الموظف ويحل مكانه.
وبهذه القناعات أصبحت الحياة صراعاً من أجل البقاء، كما قال دارون، وهذه فكرة العود إلى الجبلة الأولى، وهي حياة الغاب، بينما خلق الإنسان ليكون معمراً للكون، وبانيا للأرض، من أجل أن تستمر الحياة.
كان أينشتاين «نظرية النسبية»، عالماً فيزيائيا فذاً، وفقد هذا العالم الكبير إنسانيته لمجرد كتابته رسالة إلى الرئيس الأميركي، وبقوله إن أميركا قادرة على صناعة القنبلة الذرية، بعد التمكن من اكتشاف الذرة وتقسيمها.
هذه المشاعر التي ملأت قلب أينشتاين أفقدته قيمته الإنسانية وكذلك العلمية، ونحن نعلم ماذا فعلت الذرة الصغيرة عندما دخلت معامل التخصيب، وأفران الحرارة الفائقة، وقد تلى هذا الاكتشاف تجارب نووية قضت على أحلام الملايين من البشر، الذين أصبحوا فئران مختبرات النووي للدول الطامحة للقوة المميتة.
هذا الطموح الذي فجر نيران السباق النووي ليس بين الدول الكبرى، بل حتى لدى الدول الصغيرة والمختلفة والتي تسعى جاهدة لصناعة الصواريخ الحاملة لرؤوس نووية، وهي الدول التي عجزت عن إطعام الملايين من شعوبها الرازحة تحت نير الفقر، والمرض، والأمية، كل ذلك يحدث لأن الإنسان انتقل من منطقة الحب التي شرعتها الفطرة، إلى منطقة الكراهية التي شرعها العقل الباطن، والنفس الأمارة.
حتى نخرج من هذا المأزق السيكولوجي نحن بحاجة إلى التدريب، وإلى تعليم الأبناء على الحب، فالشغب الطفولي واللامبالاة في كسر ألعاب الغير، هي بداية لكسر زجاجة الحياة بكاملها عن الآخرين، عندما يكبر هؤلاء الصغار، وتكبر معهم الأنا، المسألة تخضع للتنوير، والإضاءة للغرف المظلمة التي يسكن فيها الصغار، واستمرارهم في هذه المنطقة هو الذي يقودهم إلى ضاحية أينشتاين الشائكة، فنحن لا نحتاج إلى أطفال أذكياء فحسب بل إلى أطفال يحبون الحياة من دون مقدمات، فالذكاء مركز الدائرة، والذكاء محيطها، ولا قيمة لإنسان ذكي من دون قلب مملوء بالحب، لأننا لا نحتاج إلى آلات، بقدر ما نحن بحاجة إلى بشر يؤمنون أن الحياة مبنية على الحب أولاً.
المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع