بقلم : علي أبو الريش
ما يحدث في العالم، إشارة واضحة لكل ذي بصر وبصيرة، بأن الثقافة تغيرت، والفكر الإنساني يمر بمرحلة مخاض يحتاج إلى وعي، وإلى تبسيط من دون تقسيط، وإلى حرص من دون تفويت الفرص. الذي يحدث في الغرب والشرق، يسلط الضوء على تراكمات تم دفنها بقصد أو من دون قصد، الأمر الذي جعل الرياح تزيل الرماد، لتتشظى الجمرات فتحرق وتمرق وتسرق، وتطرق أبواب التبرج الأخلاقي فينكشف المستور.. ولذلك، فنحن مطالبون بأن نكون مثل الماء العذب الرقراق لا مثل الماء الزعاق، مطالبون أن لا نمادي ولا نمالي، في مسألة الوطن وكل من يشذ عن الوطن فإنه شاذ في النار.
الأوطان هي كل الوجدان، كل الأشجان، كل الألحان، ولا جدال ولا سؤال حول العناية بالوطن ورعايته وحمايته من كل ضال ومرض عضال، لأن من يساوم على الوطن فهو كائن مختال حيال، وماكر ومهاتر، وفاجر وسافر، ومعتد أثيم مشاء بنميم.. الذي يحدث في العالم يجعلنا مساءلين أمام الله، والضمير بألا نغفل ولا نزل ولا نخل في وضع الوضع في مقلة العين، وفوق الجبين وما بين الحاجبين، ومن يتذرع بفكر ما، أو فئة ما، أو جهة ما، أو طائفة ما، أو شريحة ما، أو دين ما، فإنه ليس من الوطن في شيء، لأن الوطن وعاء كبير، وواسع وشاسع، يجمع الكل، وعلى الكل تقع مسؤولية حفظ منجزاته، ودرء الأخطار عن مكتسباته، فالأنانية لا مكان لها في حب الوطن، والفوقية لا منطق لها في الانتماء إلى الوطن والتورم الذاتي لا مجال له في الوفاء للوطن، من يحمل هوية هذا الوطن فلا هوى له غير هوى الوطن، ولا هواء يتنفسه غير هواء الوطن، ولا أديم يضع جسده غير أديم الوطن.
ما يحدث في العالم، يقرع جرس الإنذار، للغافلين والحاقدين والكارهين، أن الولاء لغير الوطن بلاء لا بد من التطهر منه، وغسل اليدين والقلب والعقل والعينين، والتوجه إلى الله بتوبة نصوح، فالله غفور كريم، والوطن يغفر لمن يتعظ ومن يستفيد ومن يعترف أن الخروج على مبادئ الوطن، هو خروج عن الحقيقة وولوج في مستنقعات الشذوذ والانحراف والانجراف نحو غايات التهلكة والضياع.
المكابرة، مثل نفخ الكير، تنفخ النار وتنفخ وتنفخ، حتى تستعر الجمرات، وأول ما تحرق تحرق صاحبها، فبلدان ضاعت، وشعوب تشتتت، وقدرات تبعثرت، ونساء شردت وأطفال ينامون في العراء، لأنهم ضحايا بشر، ظنوا أنهم يتسلقون درجات السماء فإذا بهم يغوصون في الحضيض، فلنحذر ونحترس، ونعرف ألا أم ولا أب، ولا أخ ولا أخت غير الوطن، فهو الرؤوم، وهو الصدر والقلب الكتوم، هو الحضن والحصن، وهو حرز الشفاء من ويلات ومكابدات. فضعوا شجيراته النابتة على صفحات ترابه، شعار اخضرار دائم في قلوبكم، ودعوا أغصانه شرايين تدفق الدماء في عروقهم، لتحيوا دائماً أصحاء الضمائر، نصحاء الخواطر..
فالوطن شجرة نحن الذين نضع الثمرات على أغصانها.