بقلم : علي أبو الريش
عندما تصادف شخصاً ما يقذف بعقب سيجارة في وسط الشارع النظيف، عندما تصادف شخصاً ما يرمي بكيس مملوء ببقايا طعام في موقف السيارات، فتأكد أن هذا الشخص مخبأ ملائم لتنشئة جيل من النمل الأبيض عدواني السليقة، لأن ما من إنسان متناغم مع الطبيعة، يستطيع أن يهاجم الطبيعة، بكومة من القاذورات، وهكذا أفراد يعانون من الضجيج الداخلي، لن يتمكنوا من تربية أبناء أصحاء.
فالوجود واحد، الوجود كل متلاحم في شيء واحد، لا قسمة فيه، ولا يقبل جدول الضرب الحسابي. عندما تصادفك مثل هذه الظواهر الشاذة، تشعر أن هناك خللاً ما يعتري مشاعر بعض البشر، تشعر أن مستقبل البشرية مهدد بأنياب شرسة تتربص بالحياة على هذه الأرض.
المهملون في نظافة البيئة، هم إناس فوضويون، عبثيون، لا مبالون، مصابون بعصاب قهري قاتل، هؤلاء ينقلون ما يجيش بداخلهم إلى الخارج، يحاولون عمل الإسقاطات المريعة على حساب الواقع، ويفكرون بتشويه الواقع، ليتلاءم مع ما هو مشوه في داخلهم، هؤلاء كائنات عجزت عن حل المعضلة الداخلية، فتواروا خلف تشوهات الخارج، لكون هذا الخارج أصبح بالنسبة لهم أمراً غريباً، لا تعنيهم طهارته من المشاهد الجميلة، هؤلاء الأفراد انعزلوا كثيراً عن واقعهم، وأصبحوا غرباء، أصبحوا مثل قطط ضالة، دخلت حيّاً لا تعرفه، وبالتالي انصرفت إلى العبث في محتوياته، وانهمكت في نبش مكبات فضلاته، وبعثرتها بصورة همجية لا تتكئ على قوانين الطبيعة، ولا على نواميسها، الأمر الذي يجعل العلاقة بينها والواقع مثل علاقة العاصفة بالأشجار.
وهكذا علاقة لابد وأن ينتج عنها، مجتمع يذهب إلى المستقبل بروح سوداوية عميقة في اكتئابها، غزيرة في ضحالتها، كثيفة في ضبابيتها. وبهذه المتوالية المتوترة، يصبح الحلم باستيلاء جيل نافع ضرباً من المستحيل، إلا إذا وفرنا أدوات الردع الكافية، لمنع التسونامي الأخلاقي من الوصول إلى منازلنا، وكبحنا فيضان القيم البالية، لكي لا تعبر إلى شواطئنا، وكثفنا من الصرامة، بحيث تقف حداً فاصلاً، ما بين الصواب والخطأ، لأن ما من خطيئة ترتكب إلا ووراءها قانون بلا مخالب، والبعض من الناس لا يستيقظ ضميره، إلا عند سماعه، مطرقة القانون، وما من ظاهرة يتفشى غبارها، إلا إذا توقف نهر القانون عن الجريان.