مغزل ما في البيوت

مغزل ما في البيوت

مغزل ما في البيوت

 صوت الإمارات -

مغزل ما في البيوت

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش

في جلسة عائلية، وبحضور الوالد والوالدة، اقتعدت الفتاة الصغيرة كرسياً خشبياً بجوار والدها، وفتحت حقيبتها المدرسية، وأخرجت كتاب اللغة العربية، لتري والدها العلامة الكاملة التي حازتها، من المعلمة، لإجادتها القراءة.
دهش الوالد، ورفع حاجبيه مذهولاً، ولكن ليس لسبب الدرجة العالية التي حازتها ابنته، وإنما للمرحلة الصفية التي وصلت إليها، ما جعله يفكر في سنوات العمر التي مرّت كما هي جداول الماء التي تذهب إلى البحر دون أن تلمس جذور الشجر.
فكّر الرجل ملياً، وتفحّص وجه ابنته، وقد تغيّرت أشياء كثيرة في شخصيتها، وأصبحت ثيابها تفوح برائحة الأنثى، وكل ما بدا فيها، دلّ على أن ابنته الحبيبة قد كبرت، وأنها وصلت إلى مرحلة دراسية، دون أن يعلم، وكأنه كان في حالة سفر، أو أنه كان نائماً في غرفة مجاورة، ولم يصحُ إلا بعد رنين جرس الجائحة، فانتفض، يرتب مشاعره تجاه الأسرة.
وبينما كان الرجل يغوص في محنة تأنيب الضمير، كانت الفتاة تستغرق في البحث عن دفتر الرياضيات، والتي حصلت فيه على درجة عالية، قبل يومين، ولما رفعت رأسها، انتبهت إلى دمعة غزيرة تنضح من عينيْ والدها، فاستغربت الفتاة، وتساءلت دهشة ما بك يا أبي؟ فنظر الرجل إلى وجه ابنته الطفولي، وتفرّس في ملامحها ثم أغمض عينيه، وكأنه لا يريد الاستمرار في مواجهة ما يحدث، وحاول أن يفلت من بين يديها، بالتحول إلى مواضيع أخرى تخص وضعها الدراسي، إلا أن الفتاة لم تسمح له بذلك، بل وجدتها فرصة ذهبية أن يمكث أبوها كل هذا الوقت بين الأسرة، ومن دون أن يحمل عقاله ومعصمه بين يديه، وفي تململ ولهوجة يقول لزوجته أنا ذاهب إلى الأصدقاء، لذلك شعرت بتملك العالم وهي تستحضر اللحظة الراهنة، وتجلس مع والدها وجهاً لوجه، فقالت الفتاة في لهجة ملهوجة: ما بك يا أبي، هل أنت تبكي؟ وبيد مرتبكة، مسح الدمع من عينيه، ثم شيّع الفتاة بابتسامة مقتضبة ماداً يده إلى رأسها، قائلاً: لا.. لا.. يا حبيبتي، هذه دموع الفرح، أليس هذا من حقي أن أشعر بالسعادة عندما أجد ابنتي، حبيبتي تقدم لي أجمل هدية، وهي درجات تفوقها؟ تخلّصت الفتاة من بعض قلقها، على الرغم من عدم قناعتها، بما ساقه والدها من عذر ضعيف لا يشفي الغليل.
وسادت لحظة صمت، والرجل لم يزل تحت تأثير صعقة المشهد والسؤال الذي تحكم في رأسه: أيعقل أن أكون بعيداً عن أجمل فتاة منحني إياها الله ولم أكتشف الأمر إلا بعد أن ضربت الآلة البيولوجية أعناق حقيقتنا؟ يا إلهي، من قلب المأساة، تخرج بذرة وعينا، ونكتشف وجوه أبنائنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مغزل ما في البيوت مغزل ما في البيوت



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates