بقلم :علي أبو الريش
بعض الأشخاص يتزوجون القنوط في سن مبكّرة، وينتمون إليه كانتماء الطفيليات إلى الأمكنة الرثّة، ويستمرون على حال كهذا، ويكبرون به إلى أن تأتيهم المنيّة، وهم لم يقطفوا من ثمرات الفرح، ولا حتى الخشاش.
يبدأ الداء لدى هؤلاء منذ نعومة أظفارهم، حيث تلقنهم التربية السيئة أدواراً بائسة، ويعيشونها كأنها جزء من ذواتهم المستلبة. فعندما تجد طفلاً منعزلاً وعلى وجهه تقطيبة بحجم الصحراء القاحلة، فاعلم أنه مشروع رجل بائس محطم، منعدم، مسقوم، مهموم، مكظوم، ذاهب إلى نهايات الفراغ الرمادي، لا فيه زرع ولا ضرع ولا حياة.
هذا الكائن يكون مشكلاته من روح نشف الماء في عروقها وجفّ الرحيق، حتى بدت الشمعة مثل عرجون قديم، وحتى بدا هو مثل صخرة أزلية، وبدا الوجود في عينيه اضمحلالاً وانحلالاً أبدياً لا مجال لإنارة غرفه المظلمة، ولا فرصة لتغيير الأثاث في داخلة، لأنه أصبح خارج الزمن بعيداً عن الأفياء المظللة بأوراق البهجة والسرور.
الإنسان ابن بيئته، وإذا كانت البيئة الأسرية، ممتلئة بحشرجات أم مكتئبة، وزئير أب يعاني من فوبيا العلاقات المتكافئة، فلا يمكن أن تمر المشاعر أبداً عبر قنوات ضيقة ومتعرجة، ومحاصرة بصخور التعنت والتزمت، والإحباط وغياب الوعي، بأهمية أن تكون الأم حضناً رؤوماً، والأب حصناً حصيناً. هكذا وُجد في الوجود، يفقد جوهر الحياة معناه ويشيع ضجيجاً وصراخاً، ما يجعل طيور السكينة تفر من أعشاشها، وتغادر الفراشات أكمام الجفاء، والجفاف العاطفي.
عندما تصبح المنازل حلبات مصارعة، فيها السعي الحثيث من أجل إثبات الذات على حساب الآخر، فإن المشاعر الإنسانية تحمل حقائبها وتذهب بعيداً عن موطن الصراع، وتحلق هناك في اللامكان، ولا حياة لنفس فقدت عنصر الحياة الأول، وهو الاحترام بين الزوجين الذي ينقل عدواه الحميدة إلى الأبناء. فهؤلاء الصغار هم العشبة التي تمتص الماء من خاصرة الأشجار الكبيرة، وإذا ما يئست من العثور عليه، فإنها تعجف وتموت عطشاً، وتصبح حثالة تؤرق مضجع الكبار، ولكن لا فائدة من العويل بعد فوات الأوان، وبعد أن يصبح الفقدان جزءاً لا يتجزأ من كينونة الأبناء.
الحياة بنيت على الانسجام، ولولا تناغم الشمس والقمر، لما أضيئ الليل بمصباح اسمه القمر.