بقلم - علي ابو الريش
قال في لهجة فطرية: «يا زين ها لبلاد، ويا محلا وطرها»، ثم أغمض عينيه على الصورة الزاهية، وأفرج عن ابتسامة أشبه بسحابة ممطرة، ثم فتح عينيه وراح يقلب بصره في المكان، وكأنه يبحث عن وردة في حقل الزهور.
فراشة الفكرة حلّقت أمام عينيه، وصار يتابع المشهد مستمتعاً بالوجوه النضرة وهي تقبل على الحياة بنفوس راضية مرضية، وقلوب تتفتح أزهارها في ربيع الوطن.
فتيان وفتيات من هذا الوطن عاهدوا، فصدقوا، فثابروا، وأبدعوا في العطاء.
هؤلاء هم أشبال من أصلاب أسود، ومن سجيّة قيم نمت وتفرّعت، وأينعت، وأثمرت، وملأت الأفق بريقاً، أنيقاً، شيقاً، متدفقاً، متألقاً في الوجود، هؤلاء هم الفراشات التي خرجت من شرنقات الأصول العريقة، ومدّت الكون بفضيلة البذل والسخاء، من أجل أن تظل الإمارات دوماً منارة، وقيثارة، واستنارة، وصومعة تؤمّها القلوب المكلومة، والنفوس المكظومة، والأرواح المقسومة، والعقول التي في طرفها جلل. أيادٍ مثل سنابل العشب، ترخي ذيول المحبّة على شغاف تشقّقت أقمشتها وصارت تهفو إلى الحياة، وهذه الأيدي بلسم نجاة، وميسم حياة.
هذه الأيادي ترسم على خريطة الوطن صورة مجد يتجدد وعيه بأهمية أن نكون يداً ترتب وجدان الناس، وتهذب وجودهم، وتشذب أشجار مشاعرهم، وتمنحهم الحبور بلا ثبور، ولا نفور.
هذه الأيادي باقات ورد تتفتح في حقول الذين تعسرت أمنياتهم، وتكسرت قواربهم، وتفطرت أفئدتهم، وانحسرت بحارهم، وعبست صحراؤهم، وتولّت آمالهم، وانبجست من بين أصابعهم أحلام مثل فراخ مريضة، وانبثقت في عيونهم مسغبات الزمن.
شبابنا، شاباتنا، ساموا الدماء رخيصة من أجل إعادة الحياة للآخرين، ومن أجل رسم البهجة على وجوههم، ومن أجل عودتهم إلى أهليهم مكللين بالعافية، مجللين بالفرح، متوّجين بالتفاؤل.
هؤلاء شبابنا ضربوا المثل والقدوة بأن الإمارات مهبط وحي التفاني، والتضحيات الكبرى، عندما يشتد الخطب، ويرتفع صوت الندب، ويكون الحدب هو المسعى لغرس صرمة في طريق المتشظين عطشاً، والمتلظين ظمأً، والباحثين عن نقطة ضوء في آخر النفق.
شبابنا، وفلذات أكبادنا، هم آية عزّنا وفرحنا، ومهج فخرنا، هؤلاء هم الذين رفعوا الراية سدرة عملاقة تظلل أعناقنا، وتجلّل أرواحنا، وتطرد الألم من أجساد من مدّوا الأبصار، مشتاقين لنظرة إلى الحياة لا تغشيها غاشية مرض، ولا تعشيها فاشية وباء.
شكراً لكم، لقد أكرمتمونا بوفائكم وصدقكم وأرواحكم العالية، وطرتم بنا في سماوات علا، حتى أصبح الوطن نجمة بحجم خصالكم. وبعد أن انتهى من حديثه، توقف الرجل برهة، ثم فاض بالدموع فرحاً.