بقلم - علي ابو الريش
المرأة عندما تحب، تطويك بحرير اللواعج، وتمنحك الأرض الخصب، فينبت عشبك، ويصبح مأواك النجود الخضراء، وأنت في نعيم الهوى عصفور له أجنحة الأحلام الزاهية، والسماء يقينك، والغيمة سجيتك، والليل مهد حناياك.
المرأة عندما تحب تكون هي المبتدأ والخبر، وتكون الجملة الفعلية في بحرك، وبرّك، وفي يقظتك ومنامك وفي وعيك ولا وعيك، تكون هي شال الفرح الذي يرفل على كتفيك، تكون هي المهجة، والبهجة، تكون اللغة الفصيحة، والفكرة الحصيفة، تكون هي المقام، والقوام، وتكون الدهر والسهر، وتكون قطرات الندى على أوراقك، وتكون النث، والحث، والبث، وتكون الرعشة المجلجلة، ورجفة الكون المجللة بعذوبة المطر، ونداوة الشجر، تكون هي هكذا في وجودك وحضورك، وتكون هكذا في ابتسامة الصحراء، عندما تغدقها السحابات بالشغف، وتكون الشريان والكيان، والبيان، والبنان، والأشجان، والألحان، والتغاريد التي تدوزن النبض، والحض والرض، والكظ، تكون هي اللحظة المباغتة التي تعيد لك ترتيب المفاصل، والفواصل، وتهذب فيك غابات التوحش، وورطة التوجس، تجعلك في عالم أعشابه رموش تظلل وجنتيك، وأطياره جفنان يضمان لوعتك، ويختزلان لهوجتك، تجعلك هذه المرأة، في كون ليس فيه ما يرجف، ولا ما يجحف، تجعلك في محيط أمواجه أنامل أنعم من لمس الزغب، وأدفأ من جناحي حمامة برية، وأرهف من وجد غزالة الأبدية.
عندما تحب المرأة، تنسى أنت المعنى، حروبك الطائفية، والعبثية، والهمجية، والكارثية، وتستعيد وعيك لتصبح كائناً سماوياً، يخضب كفوف الحياة بحنّاء الفرح، ويسرح خيله باتجاه تلال ما وطئتها أقدام الشح، ولا البؤس، تصير أنت فحلاً يعربياً، يمتطي قامة خيل ما خصّها الله إلا بك، تصبح أنت فارساً مقداماً له صيد الأفذاذ الأوائل، وله سمة الصناديد الذي عبروا البحار، والأنهار، من أجل فتوحات تاريخية، لم يزل صيتها يصم الآذان.
عندما تحب المرأة، تجعلك جهبذاً لا ينحني له سيف، ولا يتعنّت له حيف، تصبح أنت الهمام، والضرغام، والليث المؤزر بإرادة القوة، تصبح أنت «العنتر» الذي لا يفتر له بأس، ولا ينكسر له رأس، تصبح في المجمل الحلم الذي لا يبين له صباح، إلا عن إشراقة مبهرة، ولمعة لها أوام النار، وأوار الألسنة الحارقة.
عندما تحب المرأة، تمنحك عبقرية العشق، ونبوغ الهوى، وبلوغ الاندماج في الكون الواحد، عندما تحب المرأة، تخرجك من نواميس اللحظة الباهتة، وتأخذك إلى عوالم أبعد حدوداً من واقع الابتسامات الصفراء، تأخذك إلى حيث يتأدلج وجودك، ويتحدد مكوثك في ذلك المتسع الذي لا حدود له، وتكون أنت الكائن اللامحدود، الموجود في وعاء الحياة، كما هي الكواكب والنجوم.