بقلم - علي ابو الريش
للأرواح أجنحة، تحلّق فرحاً، تمطر الغيمة، ويشع الوميض من عيون أهدابها، ظلال تمنع عنّا لظى الحرقات، وترفع عن كواهلنا ثقل أزمنة شائنات، وتدفع عن قلوبنا عواتي خسوف، وكسوف، وكلوف، ولهوف، وظروف.
للأرواح أجنحة ترفرف، وتهفهف، وتكفكف، وتطرف، وتندف، عندما تبدو السماء شرشفاً من حرير الجمال، والكمال والوصال، وحسن الخصال، وتصير الابتسامة على ثغر أغر، مثل رحيق مضى على شفتين لميائيتين، يحدب في الوجود على نجود، وسهوب، يغسل وعينا بالعذوبة، وسر السحر في الوردة الحمراء من لحم ودم.
للأرواح أجنحة تتسرب في الوجود ريشة تكتب أسماء العشاق على طرس، وحس، وتنسج خيوط المعرفة، وتفتح نافذة إلى السماء، هناك نلتقي بوجه وضّاء، مضاء بمصابيح الجبلة الأولى، وفطرة الخلق الأول.
للأرواح أجنحة، تشف بالهوى، عندما تكون في حضرة النعس، الغافيات على بساط أحمدي، الساردات لغة الرموش، الرافلات بمخمل الرهافة، والدنافة، الساعيات إلى غزل قماشة الحياة، من خيوط فصلها وأصلها من لباقة المنطق، ورشاقة الحدق، ولياقة القد والجبين.
للأرواح أجنحة، مراتعها جنون العشق، وفنون الرمق، وفي المقبلات جلال، وفي الاستهلال إطلالة المعنى، ولباقة المنفردة، نحن الذين نرتب حروفها، ونهذب أطرافها، ونشذب طرفها، نحن الذين نعتني بالمرايا، لكي تكون وجوهاً لوجوه، تمنحها ثيمتها، وسماتها، وصفاتها وآيات إبداعها، وعبقرية نشوئها، ونبوغ قريحتها، وبلاغة وجناتها، وفصاحة طلعتها، وحصافة إشراقتها.
للأرواح أجنحة، إن هلّت عليها الشمس ترعرعت، وتناغمت، وانسجمت، واندمجت وتفرّعت، وتسامقت، وبسقت، وأزهرت، وأثمرت، وأينعت، وأصبحت في الوجود ريحاناً، وزعفراناً، ومرّت على القلوب، وهي في الريعان والربيع، وهي في الحياة استثناء وفرادة، هي في الحياة سيادة الحضور، وروعة المشهد، وهي في الحياة نسق الناظرات إلى السماء، بنخوة النجباء، وماجدات البدء والنهاية.
للأرواح أجنحة، تتفتح حبوراً عندما تلتقي بسحنة أشبه بالسحابة، ولها في الرحابة، منطق الجداول في مخمل الأرض، لها في النجابة سمة الصحراء، وهي تخصب وعي النوق، من عطر غافة الأمل، وهي ترتب مشاعر الجياد بمشط الأعشاب اليافعة.
للأرواح أجنحة، عندما تصبو، تخبئ في معطفها، صورة مثلى لأنثى نابغة، تضع المعطف على مشجب الأبدية، وتمضي في الفيافي، بخيلاء وفخر، لأن للأنثى طبيعة الخلود، وللأنثى أجنحة تخلد بالحب، مهما تراخت ذيول معرفتنا بكيانها وبنانها، وبيانها، وبنيانها، وأشجانها، وأفنانها، وألحانها، وكل ما اختبأ في تجاويف التاريخ يظل هو العنوان، والتبيان، والتحنان.