بقلم : علي أبو الريش
للصحافة دور التنوير لا دور التكسير، وللصحافة دور مساعدة أصحاب القرار في تنمية العقل، وإزاحة الغبار عن النفوس.. الصحافة الحقيقية صانعة للمستقبل، وليست ضالعة في رسم الخطوط الحلزونية، أو الكلمات المتقاطعة.. اليوم وقيادتنا الرشيدة، تقف في الصفوف الأولى، منادية بدور فعال وحيوي للصحافة، على الجميع أن يكون في مستوى الحدث، وأن يكون جزءاً من المشهد الحضاري للوطن، ويرسم الصورة المثلى لحقائق التقدم والرقي والازدهار. نحن بحاجة إلى إعلام مضاد وقوي وراسخ، لنواجه به من عمي بصره، وغابت بصيرته، نحن بحاجة إلى إعلام سمته الإبداع، وصفته حسن الاختراع، لا يراوغ ولا يبالغ، وإنما يقوم بسرد الحكاية، كما يريدها المنطق لا كما تشتهيها النفس، أن يقف إلى جانب الناس، يتلمس همومهم، يعالجها بضمير حي، وبعيداً عن البهارات والشعارات، وبعيداً عن السياقات النارية التي أودت بحياة مجتمعات بأكملها.
نحن بحاجة إلى إعلام لا يستنسخ ما يفضي إليه الغير، نحن بحاجة إلى إعلام يصنع لنفسه موئلاً يضاهي شموخ الصحراء وبلون زرقة البحر، فالتقليد بليد، لا يصنع فكراً ولا يصبغ حياة، وصحيح أننا لا يمكن أن نعيش في عزلة عن الآخر، ولكن من حقنا أن تكون لنا هوية إعلامية نابعة من هذه الأرض، ومتشربة من ملح بحرنا، وناهلة من قيمنا وتاريخنا، فنحن لسنا شعوباً طارئة، بل نحن لنا الجذور، ولنا البحور، ونستطيع أن نقارع الآخرين بما نملك ونكون شركاء في صناعة مجد الإنسانية.. فالمقلدون يضيعون في مستنقعات الانبهار، ولا يحصدون غير السعار والدوار، لذلك يجب ألا نغوص كثيراً في الخدع البصرية، بل علينا أن ننخر في ذات واقعنا، وأن ننحت صورته كما هي، لنعيد مرة أخرى صياغته بما تقتضيه الحاجة وما تفرضه علينا مطالب المرحلة، في الإمارات هناك مشهد حضاري تشكل منذ عقود، حتى لمس الآن سن النصح، على الإعلام أن يكشف تفاصيل هذا المشهد، وأن يسلط الأضواء على إنجازاته الرائعة وثمراته الناصعة، على الإعلام ألا يغرد خارج السرب، وألا يضيع في مسارات خارج محيط الماء، على الإعلام ألا يسرف كثيراً في الصمت عن الإيجابيات، وألا يسكت عن سهام الغدر التي تنطلق من زوايا العتمة، وألا يترك التحليل لذوي التأويل، وألا يدع اللجام بيد الغير، لأنه «ما يحك ظهرك إلا ظفرك»، فاعتبروا يا أولي الألباب، ما يحصل في عالمنا العربي هو نتيجة لإعلام مغرر به أو تابع، أو نائم ويغط في سبات عميق.