بقلم : علي أبو الريش
نقرأ لأننا نحب الحياة، نقرأ لنقول للنجمة: إن في القلب سراجاً منيراً، نقرأ لنقول للغيمة: إن في الروح سحابة ممطرة، نقرأ لنقول للشجرة: إن الأخضر كتابنا الذي نحبه، نقرأ لنقول للبحر: إن بياض الموجة سمة حياتنا، نقرأ لنقول للعشاق: إن القصيدة المثلى تأتي من حياض القراءة، نقرأ لنقول للزمان: كان يا ما كان، إن كتاباً قرأناه، أسس مشوارنا في الكتابة، نقرأ لأن في القراءة فتوحات بالقلم، وسفر طويل.. طويل عبر سطور تشق عباب الأسئلة لنصل إلى موانئ الوعي من دون أفكار مسبقة، نقرأ لأن في القراءة أحلاماً تتجسد وعياً، فتنمو أشجار المعرفة، مرفرفة، عازفة لحن الخلود والأبد الجميل. نقرأ لأن في القراءة مراكب تأخذنا إلى حيث يغيب الجهل، ويتجلى واقع الصحوة النبيلة. نقرأ لأن في القراءة عشبا وخصبا وصخبا، وماء عذبا، وسكبا وحدبا، وجذبا، ونخبا، وشهبا، وسهبا، وقربا من نافلات وفرض.
نقرأ لأن في القراءة صهيلا ونخيلا، وصفحا جميلا، وفصحا نبيلا، وليلا طويلا، أقماره حروف مضاءة بالوعي الأصيل، نقرأ لأن في القراءة بحرا وسِحرا، وسَحَرا، وقامة للماشين في دروب لا تذر، نقرأ لأن في القراءة أحلاماً تتمشى على شواطئ، زعانف أسماكها مغسولة بملح السهر، نقرأ لأن في القراءة افتتاح معهد للتدريب على العكوف من غير سقوف، والقطوف .. هذا الشارع الوسيع في مدن الذاكرة، نقرأ لأن في القراءة بحثاً ما بين السطور عن ثغور، تفوه بأجمل الألحان، وأزهى الألوان.
نقرأ لأننا أمة القراءة نحاول أن نستعيد ما عافته الطيور وما بقي من مدن، تنتظر يوم الولوج إلى باحات الحقيقة، نقرأ لأن القراءة مفتاح وصرح، وقدح وفتح، وشرح وطرح وسرح وكدح، نقرأ لأن في القراءة كتابا فيه الخضاب، والمياه العذاب.
نقرأ لأن في القراءة سيمفونية قديمة، لم تكتمل مقطوعتها، وها نحن نجد ونجتهد، ونكد ونتئد، لنحصد من ثمرات الشجرة العملاقة، شيئا من تفاحة الحلم.. نقرأ لأن في القراءة وحياً يوحى، وأملا يرتب أوراقه، لتصبح غرفة العقل مكتملة المتاع.
نقرأ لأن في القراءة جزيرة نائية لا يكتشفها إلا القارئون الجيدون، والمنوط بهم قراءة رقصة النجوم، ونثة الغيوم.. نقرأ لأن في القراءة استتبابا وحسابا، واحتسابا وانجذابا، وكتاباً مسطورا، وصوتاً مرفوعاً لا مفتوحاً، ولا مجروراً، نقرأ لأن في القراءة جواداً يشق المهاد، ويثري الحياة ببوح أشبه بالهديل الجميل.. نقرأ لأن في القراءة الشهد والمهد، والنهد، والسعد، والحد، والرد، والسد، والبد، نقرأ لأننا في القراءة نكون نحن والآخر، في الصف الصباحي، لفيف حياة، نقرأ لأن في القراءة البحر يصير نهراً، والمصفود يصير حراً، والحجر الصم يصير طيراً، والقمر الآفل يصير بدراً، والرماد الهامد يتجلى جمراً، والصحراء تتزين شجراً، نقرأ لأن في القراءة سفر التكوين والتلوين والتقنين، والعمر اللجين.