بقلم - علي ابو الريش
في دروبه، وفي سهوبه، وفي خصوبة وعيه، يذهب علي آل سلوم إلى هنا وهناك، يجدد حلمه بين طيات عالم غط في مجاهيل الجغرافيا، مسترخياً على بقعة من رمل الغياب، ولكن الشاب علي يخرج هذه الجمل المبنية للمجهول إلى عالم الفصحى، ويعانق شغاف من تواروا خلف شعاب، وهضاب، وتمادوا في العرقلة، هناك يقف علي في الدروب، منها الخصبة، وأخرى الوعرة، ولكنه لا يتبعثر، ولا يتعثر، بل يمضي إلى هذا العالم بقلب زرعت في شرايينه، محبة الآخر، كما تزرع حبات القمح في «وعوب» الجبال الإماراتية، كما تخرج الزهرة البرية من ثنيات الصحراء الحارقة.
دروب استكشاف قارات لم يطأها كولومبوس، ولا فاسكو ديجاما، ولا ماجلان، أنها قارات من لحم ودم، ومن مشاعر لم تزل في أبجديتها الأولى، وفي جبلتها الأولى، إنها أمكنة خصبها الزمان بأحلام الفقراء وأمنيات الناس البديهيين، وعفوية القدرات، والإمكانيات، إنها مخلوقات من نوع آخر تلك التي يزورها علي آل سلوم، إنها من ترائب الوجد، ومن صلب الوجود، يذهب إليها علي لكي يجلي عن عيوننا غبش الأزمنة، وما جاش في قلوبنا من حرقات الحضارة، وحماقة الآلة وهديرها.
في هذه الدروب، نسافر مع علي آل سلوم، عبر أشعة ضوئية تفوق سرعة الطائرات، لأنها أشعة الحب التي تحمل على أجنحتها لهفتنا، وشغفنا لمعرفة ما يدور خلف حجب القرى النائية، والجدران القديمة، لمدن تلاشت بفعل التقادم، واختفى أهلها وراء عباءة الزمن، وها نحن نعود بأجنحة دروب، وتعود معنا ذاكرة قد تكون مثقوبة إلى حد ما ولكن الذكرى تنفع المؤمنين بالحب، والذين وإن نسوا إلا أن أجراس الوعي عندما تدق حديدها، لابد وأن ينهض الوعي، ولابد أن نعرف بأن هناك في العالم الآخر، خلف الجبال، أو خلف البحار، هناك يعيش نفر من الناس لابد وأن نصلهم، ولابد وأن نبني معهم حبل المودة، لأنهم لهم جذور في تراب أُمنا الأرض، ولهم أثر أقدام على أديم البسيطة، ولذا نشعر عندما نرى وجوههم الطفولية، ببداية الحياة على الأرض، نشعر بأن الكون تشكل من هناك، وهناك الأصل في بناء أبجدية الحياة، عندما نرى تلك الوجوه، فإننا نرى العالم بعيون غير التي نرى فيها ضجيج الراهن المستبد، وعجيج الزمن المرتعد.
هي هكذا دروب علي آل سلوم، تأخذنا إلى مناطق باهرة في انشراحها، ومذهلة في بساطتها، ومدهشة في روعتها، كونها تكتسي بأخلاق عالم لم يتلوث بعد، وكون لم تغشه غاشية الزلزلة.
هذه هي رسالة الإمارات إلى العالم، وهي أن نكون في قلب الكون من دون فجاجة، وأن نكون في جوهر الوجود، بأحلام الطير، ولغة الموجة، وهسهسة الأوراق في القمم الشم.