بقلم : علي أبو الريش
بعد الإجازة تشعر وكأنك خارج من زجاجة ترى الناس، ولا تستطيع التواصل معهم تكون في حالة فراغ داخلي تكون كأنك في العراء، الخيوط والخطوط إلى الماء مقطوعة، وجوه الناس تبدو ناعمة ملساء لا تشعر بألفتها، أشياء وتفاصيل كثيرة تغيب عنك وعنهم، فيك وفيهم، أنت في حضرتهم، وفي حضور هناك، بحر ليس أزرق كما هو الماء، هناك شطآن قواقعها خرج منها الحلزون غادر إلى أعماق، أو ربما تاه بين الرمل المبلل بريق النوارس الضائعة في خضم التحليق والتحديق، شوق يدهمك باتجاه زملاء وتوق يأخذك إلى ذكريات من هنا وهناك، الكلمات التي تركتها في حضورهم المميز، تبدو الآن بلباس العيد أو الجديد، وفي الحر الشديد تتكاتف أجنحة القطرات المائية على الجبين لتغسل وجهك بالملوحة، تحاول أن تطارد جبينك كي لا يدق، كي لا يغرق بالماء الذي لا تحبه، لكن لا جدوى لأن يوليو يأبى إلا أن يكون مبلولاً، مسلولاً بأنصال العرق البراق، والماء الرقراق وحدقة النهار التي لا تعاق، تفتش عن أصدقائك، عن زملائك، فرداً فرداً، في اشتياق العشاق، تبحث عنك في وجوههم، تسأل عن الأحوال والمآل، عن الكبار والأطفال، وقلبك يخفق ويطرق وتستغرق زمناً حتى تألف مكانك الذي غادرته، يسرقك الوقت، وأنت تجوس في المكان تفتش عن ورقة تركتها هنا وكتاب اختبأ هناك.
في اليوم الثاني والثالث تنحسر المياه الهائجة، ويبدأ البحر يأخذ مجراه في السكينة، مسكين كما لو أنه خاض زمناً في صولات وجولات مع اليابسة، تبدأ أنت الاقتراب من نفسك ويبدأ القلم يسكن بين أصبعيك الخنصر والسبابة، ولأنك لا تستغني عن الورقة والقلم على الرغم من التقدم التكنولوجي إلا أنك لا زلت صادماً ممسكاً في زمنك المتأخر كأنك تمضغ لباناً ذابت حلاوته منذ الأمس أو ما قبل الأمس، وفي الأسبوع الثاني لمزاولتك العمل، هنا تستعيد ذكريات وترتب قصاصات وتصفف شعيرات الزمن البيضاء عند وجهك، وكأنك تريد أن تقول للناس إن كل ما فعلته في العيد مجرد خدعة، أو مثل كذبة أبريل، أو مثل ما يفعل بعض المتورمين، والمتزمتين عندما يغادرون مكان الصدق، ليذهبوا إلى مناطق الخديعة يخدعون أنفسهم، ويخدعون الناس، وينشرون أفكاراً أشبه بالعملات الزائفة ويخدعون الناس وينشرون أفكاراً أشبه بالعملات الزائفة، أو التي مر عليها زمن، ولم تستعمل لعدم صلاحيتها.
بعد الإجازة كل شيء يبدو غريباً حتى تستقر مشاعرك، وتعيد أنت ربط الخيوط التي انقطعت والخطوط التي تفرقت، وتبتعد قليلاً عن مواطن فراغك لتبدأ في تلوين الحياة بلون انشغالاتك السابقة، أنت هنا في هذه الأوقات تستعيد نفسك من فراغك لتتفرغ للعمل من جديد.