بقلم : علي أبو الريش
الأسرة هي وعاء الماء، إن ساء ماؤها وتلوث تسمم الشاربون والناهلون والمرتوون، ويبس العشب وعجف الشجر، وتبددت الأرض إلى هشيم عقيم سقيم بلا نعيم..
الأسرة طوق النجاة من عتى العواصف، وخسف الرواجف، وكسف النواسف، فإن اختل الطوق، وترهل وذبل، ضاع الأفراد، وتحولوا إلى طرائق قدد.. الأسرة أساس البنيان، إن خاب ترسيخها ضاع البناء وتشرد الأبناء، وأصبحت العلاقة ما بين العناصر المكونة للأسرة، مثل الحطام المبعثر بعد عصف ونسف. وحتى نهتم بالأسرة، ونبني جدرانها بحيث تصبح عصية على التهاوي، لنبدأ أولاً بالحب، هو هذا الإكسير الذي يجعل الحياة قويمة مستقيمة، ويجعل العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، مثلما هي العلاقة ما بين أسنان المشط، متراصة، متعاضدة، متلاحمة، منسجمة، وحتى تثمر شجرة الحب، لابد من سقيها بما الثقة أولاً ما بين الكبيرين «الأب - الأم» هذان الخطان يجب ألا يكونا متوازيين، بقدر ما يكونا متداخلين في روح واحدة، بحيث يشعر أحدهما أنه الجزء المكمل للآخر، ومتى ما أصبح الإحساس بهذا الكون يصير المشوار العاطفي مزدانا بأزاهير الحنان، ووحدة الحنان، وعاء ذهبي، يجعل من الأخلاق مزرعة واسعة شاسعة، تنمو فيها أزهار التين والرمان والياسمين.
عندما يعطر الزوجان علاقتهما بالحنان، تزدهر في سقوف المنازل، دوائر مضيئة، تفضي إلى فضاء رحب، يشعر فيه الأبناء أنهم كرجال فضاء يحومون خارج نطاق الجاذبية، جاذبية العلاقات المحتبسة في أقفاص اللاءات الكبرى.
الأم والأب، جوهر البناء، ومحور الحديث مع الذات والآخر، وعندما تنفتح القلوب على حنان يتسع للكون، تكون العلاقة مثلما هي العلاقة ما بين الزهرة والفراشة، وما بين الطير والشجرة، وما بين الرمش والعين.. الأم والأب، عندما يتخلصان من حالات التربص، ومشاعر القلق، والحب المرضي، عندما يكون لكل ذلك مجرد صفحات مقلوبة، وتصير العلاقة علاقة بناء كما هي العلاقة ما بين الأرض والشجرة. تصبح الأسرة في مأمن من الطلاق العاطفي، ويصبح الأبناء في نجاة من نار التشرذم والتبرم والتذمر، في هذه الحالة فإن الأبناء لن يدخلوا في الغرف المغلقة، منعزلين، ولن يعكفوا ليل نهار على أجهزة «البلاى ستيشن»، أو الإغراق في قراءة القصص الخيالية وما يفعله المهرجون في وسائل التواصل الاجتماعي.. عندما يصبح بناء الأسرة قوياً، والحب هو القاسم المشترك، فإن الأحلام الزاهية تكبر، والعصافير تغرد، ونوارس البحر ترفع النشيد عالياً محيية المد البحري وهو يغسل السواحل بالملح، ويعطرها بمسك موجاته البيضاء.