بقلم - علي ابو الريش
لو حضرت حلقة نقاش بين مجموعة من المتحاورين، ورأيت ما يقذفه الكل في وجه الكل من غبار الكلمات، سوف تعرف كيف تطير المعاني مثل طيور تفر من قفص. سوف تعرف أنه لا أحد يسمع لأحد، وكل يريد فقط أن يقول للآخر، أنا هنا.
الكل يريد أن يؤكد أنه المتحدث الرسمي لسلطة الأفكار التي لا يشق لها غبار. في مثل هذه الحوارات، أنت لا تسمع حواراً، بقدر ما تصطدم أذنيك بخوار، يصيبك بالدوار فتشعر بالغثيان.
الذين لا يسمعون جيداً، لا جيداً، ولذلك تذهب كل حوارات بهذا الشكل أدراج الرياح، ويحل محلها الضجيج الذي يصم الآذان، ويحطم أعواد الوعي، ويلقيها في موقد الغضب.
الفكرة التي تحتدم في موقد العقل، وتصبح جمرة، لا يمكن للأذن أن تتلقاها إلا بشيء من الرجفة، ولا بد للعقل الآخر أن يكف عن الاستيعاب. نحن في جميع حالاتنا، مثبتون عند نقطة أنا وليس أنت، وعندما نصبح في هذه القوقعة، تضيع منا السواحل، ولا نستطيع الوصول إلى الماء، وبالتالي نكون عرضة للهلاك.
الأذن التي لا تسمع، تنتج عقلاً لا يفهم، فالأذن هي الجدول الذي يأخذ الماء العذب إلى شجرة العقل، لينمو، وتكبر أغصانه، وتتفرع، وتسمق، لتصل إلى شغاف الغيمة. عندما تصل أنت إلى قناعة أنك على صواب والآخر على خطأ، تصاب بجدري العزلة، وتخيب آمال الطبيعة في أن تنتج كائناً متفائلاً يفتح أذرعه للحياة، لتصبح شراعاً يوصله إلى شطآن الآخرين.
عندما يشعر الفرد بأنه مالك الحقيقة، وصاحب مزرعتها، وليس غيره إلا عمالاً في هذه المزرعة، وعليهم الأخذ بأسباب الأوامر والنواهي، فإنه يتحول في نهاية الأمر إلى مجرد تمثال من رمل، قد يجرفه الرحيل في أي وقت، ولن يعثر له على أثر إلا في مكبات النفاية.
الاعتداد بالرأي، طريقة من طرق الأنا التي تجعلك تغمض عينيك، ولا ترى الطريق الصحيح، ما يجعلك دائماً في حال الشقاء، مهما حاولت إقناع النفس، بسعادة زائفة كونك أسكت الموجة عن الوشوشة، ولجمت السحابة، عن بوح نثاتها، وبثها بين ثنايا العشب.
لا تنضج الأفكار، عندما تصطدم بجدار التعنت، والأنانية، وتخشب المشاعر. لا تنضج الأفكار عندما تكون مثل الصخرة، لا تقبل الحركة، ولا تسمح بالانتقال من منطقة إلى أخرى.
عندما يشتد وطيس الحوار العشوائي، تتناثر فتات الأفكار مثل حبات قمح ذرتها الريح، فلا تستطيع جمع ما تناثر، ولا تستطيع الإمساك بالريح التي اختطفت ما جمعته أنت من حبات القمح.
في الحوار، لا تكن الريح، ولا تكن الصخرة، كن في المنتصف، وليأتي إليك الآخر، وتلتقيان عند شفة النهر، وتذهبان إلى الحقل، فتترعرع شجيرات الأحلام، وتزهر الأغصان بأفكار يانعة، يافعة.