الحب في زمن كورونا «5»

الحب في زمن كورونا «5»

الحب في زمن كورونا «5»

 صوت الإمارات -

الحب في زمن كورونا «5»

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش

بعد وقت من بداية الحجر الصحي، وقف الشاب وحيداً عند قارعة طريق، يهذّب مشاعره، وينظر إلى الأفق البعيد بعينين غائرتين، وقلب خفق بالحب لهذه الطيور التي حلّقت في الفضاء، كقصاصات ورقية ملونة، وهفهفت بفرح وهي تلامس شغاف الوجود.
كانت لحظة أبدية محمّلة بعبارات الخوف من شيء ما قد يداهم زمنه وهو يصد كل القرارات التي يبثها ضمير القانون، كي يحمي الصدور من الهجمة الغاشمة لعدو شرس. لم يكن في الشارع العام من حركة، سوى تلك التي تصدر عن رجال التعقيم، والدائبين على الحماية، والرعاية، والعناية.
كان الشاب يقف وحيداً مختفياً وراء القماشة الزرقاء، ومكبلاً يديه بقفازين. لمح على بعد مسافة قريبة سيارة شرطة تجوب المكان، فاستبدت به رغبة الاختفاء، ولكن المكان كان عارياً من أي حجب تخفي جسده، فاستعد للهروب، ولكن إلى أين؟ عندما فكّر في إدارة محرّك سيارته بيد مرتعشة، وقلّت حيلته حيث اقتربت منه السيارة متوهجة بلون الضوء الأزرق، الذي كان يلوح بالسلام لكل من يرتاد الأمكنة الخارجية في مثل هذه الساعات الحرجة.
حاذته سيارة الشرطة، واقتربت منه على بعد مترين، ونظر إليه ببزته العسكرية المهيبة، وأمده بابتسامة أشرقت تحت ضوء المصابيح الليلية، مثل بريق الأحلام الزاهية، ثم مدّ له ورقة كانت بمثابة المخلب كما ظنّها، ولمّا تناول الورقة وصار يتأملها بعينين دامعتين، رفع بصره، وشيّع رجل الشرطة بابتسامه بهية، وقال بلهجة ضارعة: شكراً.. شكراً لهذا الوعي الذي وسع من حدقة أحلامنا، وأمدّ بصيرتنا بعذوبة الأنهار، وشهامة الكبار، ونبل الأقمار، وكرّر شكراً، شكراً لكم أيها الأبطال.
وأدار محرك سيارته بطمأنينة وفخر، ولم يطو الورقة، بل ظلّ  يتلوها بلسان عربي فصيح، «خلّك في البيت»، هذه العبارة كانت تلمع أمامه، كما هي النجوم التي يستدل بها عابر السبيل إلى مأوى الأمان، وموئل السكينة والرضى.
في البيت وهو يضم الورقة، صار يقرأ العبارة، ويكرّر قراءتها، ويقبل الكلمات بشفة لمست طعم الحبر كأنه الرضاب، وأحس هو بطعم الحب، عندما يكون مثل الفراشة تخفق بجناحين على أكمام وردة برّية. لم يترك الفتى الورقة في مكان ناء، بل علّقها على مشجب القلب، وصار يسرد القصة لذويه، ويحكي رواية رجل من فريق العمل الأمني، أنه استطاع في برهة أن يحوّل مشاعره من قناة مائيّة مالحة، إلى جدول يغسل شغاف الطير بعذوبة الضمير الإنساني، والذي ما إن يمر على القلوب، حتى تصبح بساتين تين، ورمان، وليمون. يصبح الإنسان في هذه الربوع، نخلة لها عناقيد الانتماء إلى وطن سماته الحب.
وبعد فترة وجيزة شوهد الفتى في الشارع يحمل راية «خلّك في البيت»، ويهتف هنا تبدأ الحياة، وهنا نستمر في العيش السليم، هنا نحن جميعنا وطن واحد، بقلب واحد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحب في زمن كورونا «5» الحب في زمن كورونا «5»



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان
 صوت الإمارات - عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 17:54 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

زيت النخيل مفيد لكن يظل زيت الزيتون هو خيارك الأول

GMT 04:49 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

وحيد إسماعيل يعود لصفوف الوصل

GMT 19:51 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

شركة "سامسونغ" تحدد موعد إطلاق أول هواتفها القابلة للطي

GMT 22:19 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف إلى خطة مدرب الشارقة لمواجهة الوحدة

GMT 03:33 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

لقاء ودي بين محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي

GMT 02:31 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

كيف تحمى طفلك المريض بضمور العضلات من الإصابة بفشل التنفس ؟

GMT 03:01 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يسدل الستار على فعالياته الثلاثاء

GMT 11:49 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

بلدية العين تنفذ حملات تفتيشية على 35 مقبرة

GMT 21:50 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

جينيف سماء ملبدة بغيوم الحنين والبهجة

GMT 22:54 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"سامسونغ" تُطلق ذراع تحكم بالألعاب لهواتف أندرويد

GMT 10:58 2013 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

"كلاكيت" رواية جديدة للكاتب محمد عبد الرازق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates