بقلم : علي أبو الريش
فوق أسنان الجبال، وعلى سنام الجمال، تصل هيئة الهلال الأحمر إلى حضرموت، وتغالب التضاريس الوعرة، بإرادة مستعرة تكسر عقبات التعب، وتحطم أشواك السغب بقلوب آمنت أن إسعاد الإنسان في أي مكان، هو المطلب وهو الهدف، ولا شيء غير إدخال الابتسامة على وجوه الذين أنهكهم الفقر، وقضَّ مضاجعهم ألم الحاجة.. الإمارات هناك في حضرموت، في حضن الجبال المكفهرة، والتضاريس المتهورة، ورجال هيئة الهلال يجازفون ويحذفون من بالهم السأم والملل، لأن المهمة وطنية بالدرجة الأولى ولأن القضية قضية حياة أو موت لشعب حاصرته الظروف القاسية من كل الجهات، وأصبح لا حول ولا قوة، شعب غدر به الأهل، واقتنص حقوقه الغريب، ولولا رحمة الله، وفزعة أهل الشرف الرفيع، لأصبحت حضرموت ومعها اليمن برمتها وحذافيرها بين الأيدي الآثمة، ولكن هبَّة الرجال الأفذاذ أوقفت النزيف، وأهدرت التحريض، ولجمت التخريف، وعادت الأمور إلى نصابها، وإلى صوابها، ولكن المواجهة الصعبة كانت لها الثمن الباهظ حيث نخر الحوثي عظام الشعب اليمني، وامتص دماءه، وأنهك اقتصاده، ودمر البنية التحتية بكاملها، الأمر الذي استدعى نجدة أصحاب القلوب الرحيمة والضمائر السليمة، ليقفوا إلى جانب الأشقاء وإغاثتهم وتقديم المساعدة لهم، ورفع المعاناة عن كواهلهم.
ولأن يد الإمارات تمتد إلى كل مكان، يُسمع فيه أنه ضعيف أو صرخة مستغيث، فإنه من الطبيعي جداً أن يهب رجالنا إلى هناك إلى حيث تسترخي حضرموت بين الأمواج الجبلية العالية، ويعيش شعبها حياة ما بين الصخور المكتئبة والثغور الملتهبة.
يفتقد أبسط متطلبات الحياة، والعيش الكريم، لأن الحقد أحرق أعشاب الحياة والتزمت أباد شرايين التطلع إلى غد أفضل، فعندما تحل آفة الطائفية أو العرقية في مكان ما، فإنها الجرادة التي تمتص الرحيق حتى تذبل الأشجار وتصير أعجاز خاوية، وما حصل في اليمن حرب طائفية مقيتة، ودمار شامل لكل أشكال الحياة، حتى أفلست خزينة الدولة، وهذا استشعرت به الإمارات، فأهبت هيئة الهلال وهيأتها وأهّلتها، لتصبح السفينة التي ستنقذ غرق الحروب العبثية، وها هم رجالنا الأفذاذ، ينهضون بالأمر، ويؤدون واجبهم الإنساني على أكمل وجه، فلما أعيت الطرق وسائل المواصلات الحديثة، استبدلت بسفينة الصحراء، قاهرة الشقاء، وعلى سنامها حملت البشارة للملهوفين والمكلومين، حملت لهم ما يضيء حياتهم، ويعيد الإشراقة إلى وجوههم ويفتح أفق الأمل بأن الحياة هي الأصل والموت هو الاستثناء.