التاريخ لا يقاد

التاريخ لا يقاد

التاريخ لا يقاد

 صوت الإمارات -

التاريخ لا يقاد

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش

لا يمكن للتقدم أن يحدث إلا من خلال إثراء الأصل وليس لنسيانه، ولكي نتقدم علينا العودة إلى الأصل وللحفاظ على المكتسب، ينبغي تجديده باستمرار من أجل مجتمع متصالح مع نفسه، ومع الآخر.
فالتاريخ لعبة مزدوجة، وإخفاء التقدم حقيقة الأصل، والاعتقاد أنه تخلف وبدائية، جعل من الكيانات الاجتماعية مثل لعبة بلاستيكية لها بريقها، كما أن لها زيفها. هذا ما تحكيه تلك المرأة الغافية على تراب التاريخ، والطافية عند فوهة تنورها، تعجن خبزها الحافي وتسلكه بيدين عاريتين إلا من عرق التعب، وشقاء اللقمة الهانئة.
هذه المرأة التي أصبحت اليوم جزءاً من الماضي المختبئ تحت لحاف التهور والتضور، والمنتسب غصباً إلى حضارة أصبحت في المعنى مثل امرأة بدائية في أدغال أفريقيا، بلباس رقصة إنبات قمحة الحياة.
هذه المرأة اليوم باتت في عداد المنقرضات، الذاهبات في أتون اللاوعي، الغائبات عن الفصل الدراسي الأخير، وعندما يصحو الصغير صباحاً ليبحث عن يد أمه، فلا يجد سوى يدٍ معروقة منهكة تمتد إليه بغضاضة، وتربت على كتفه لعله يتقبل وجهها، وعساه أن يتخلى عن حلمه، ويمضي طيعاً، ليرتدي ملابس مدرسته، ويتأبط حقيبة الدراسة، ويخفق خلف الرجل الأسمر الذي أخذ زمام الأمور، وتولى مسؤولية الضبط، والربط. بينما تلك الرابضة في بيوت التجميل وصالونات المحسنات البديعية، تبدو في حالة سفر دائم، وغياب يستمر في أبديته حتى صار وجه الأم كما هي الشمس من خلف غيوم داكنة، واتخذت الأم البديلة مكانه في الوجدان، أشبه بمكانة أشجار الزينة والدمى، وبين هذه وتلك، تختفي رائحة الملح في صدر الأم، ويختفي عطر الأنفاس وهي تهدهد عند وجنات الصغير المتيم بسمات تشبه سحنات الورد في بساتين الحياة.
اليوم يكبر الصغير، وهو في غرفة نومه، يتكئ على صور ومشاهد، وأفلام درامية مريعة، حيث تداهمه صورة الأم كما ويغزو مخيلته وجه امرأة أخرى، امرأة جاءت من عالم ما بعد الفراغ، وحطت رحالها عند موانئ رغبته، وشغلت مكاناً ليس مكانها، واحتلت مشاعر ليست بخاصتها، استعمرت قلباً ليس من حقها المكوث فيه ولو للحظة، ولكن هكذا شاءت الأم، وهكذا فكرت، وهكذا اتخذت قرارها بأن تكون فقط مجرد أمٍ كتبت في بطاقة الهوية، وهكذا مضت الأمور، حتى صار ذاك الرغيف مجرد ذكرى، تتداوله الألسن، تلك العلاقة الحميمة ليست أكثر من قصة كتبت في رواية رومانسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التاريخ لا يقاد التاريخ لا يقاد



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 08:03 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 09:10 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير البيئة والمياه يكرّم مصمم لعبة "أبحر"

GMT 19:20 2013 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

القبض على أسقف في الفاتيكان بتهمة الاختلاس

GMT 19:06 2013 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

علمى طفلك كيف يتصرف بطريقة جيدة

GMT 19:23 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

مطالبات في بريطانيا بحظر بيع هواتف محمولة بحجم أصبع اليد

GMT 08:44 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

الإضاءة المناسبة للتغلب على ضيق المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates