بقلم - علي ابو الريش
درجنا على معرفة لغتنا على أنها اللغة الأجمل في العالم، لما تحتوي عليه من محسنات لغوية، وبلاغة في التشكيل والصياغة، والنحت، ومنمنمات الكلمات ذات الكناية والتشبيه والاستعارة، والمترادفات بالغة الخصوبة، والاخضرار، والنضج، واتساع حدقة التصوير والرمزية واسعة الشفافية، والإدغام الحالم بأيقونات الخلود في جعبة السرد، وملاحم التاريخ اللغوي.
اليوم يبدو أن الميزان الصرفي اختل توازنه، ومال إلى جهة خاوية مما جعله يصاب بكسر في صميم عملية التخاطب، واليوم عندما تستمع إلى حديث يدور بين شخصين، تشعر بالصداع، وينتابك غثيان، وتعتريك حالة من الاغتراب اللغوي حين تجد أن اللغة تتسرب من بين الشفاه كأنها زبد ينثر رغوته اللزجة في فراغ المتحدثين كما وتجد من يغالي في استعارة كلمات، أو مصطلحات لا تمت بصلة لصلب الحديث وإنما يتم استخدام مثل هذه الكلمات، لأجل التباهي بالمعرفة، وفصاحة اللسان الأعجمي وبلاغة المتحدث الشقي والذي ابتلاه الله بمثل هذه اللغة الاستهلاكية والأشبه ببيضة فاسدة لها رونق البياض، وتفوح منها رائحة الزيف، والخراب.
الأشخاص الذين يدمنون التشدق بكلمات ربما لا يفهمون معناها، يكونون أمام المتابع، والمشاهد، والمدقق مثل دمى على صورة بشر، ويكونون مثل رسومات كاريكاتيرية لا تعبر عن المضمون بقدر ما تفسر ركاكة الرسم، وضحالة الرسام.
نحن حقيقة نمر في مأزق لغوي، ونعيش حالة الاستلاب، لأن أطفالنا تحولوا إلى كائنات تمضغ حشائش يابسة، وترغي إلى درجة أنها تفيض نقيقاً يزعج السامع، والسبب يكمن في كيفية تعلم اللغة، ولما كان منبع اللغة يأتي من خارج أحضان الأسرة، ويتدفق من نهيرات حبيسة، تحمل في طياتها الطمي والطين وحشرات نافقة، وبقايا أوراق شجرية متعجرفة، يصبح من الصعب على هؤلاء البراعم تعلم اللغة الأم من مصدرها، وتذوق جمالها من منبعها، ومعرفة مكنونها من صميمها، والاستدلال على قيمتها من عقر دارها، ويصبح ذلك المأزق ضخماً، وقاتماً عندما يقتنع الصغار بأن ما يلوكونه هو الفصيح في الكلام، والحصيف في التخاطب، كما ويتقبل المسؤولون عن تربية هؤلاء ما يحدث في الواقع، بل ويؤيدونه، ويسددون خطاه ويكرسونه، هنا يجب أن تفتح الأسئلة علامات استفهامها على كل مصاريعها لعل وعسى يتم تلمس الحلول قبل أن يتحول الأبناء إلى النقنقة، والقهقهة، واللقلقة، وكثير من عثرات اللسان.