بقلم : علي ابو الريش
أنت في التناسخ تعيش مثل القطيع الذي يقطع المسافات الشاسعة في الصحراء الواسعة، تحت سطوة الراعي، ولكنه لا يعرف أين هو، وفي أي بقعة يكمن العشب.
أنت في التناسخ مثل سمكة في المحيط، ولو سئلت السمكة: كيف يبدو المحيط، فسوف تقول: المحيط هنا، المحيط هناك. هي لا تعرف الأبعاد، ولا تعرف التوصيفات، ولا حتى شكل الجغرافيا، وأنت كذلك.
أنت التناسخ، مثل الغيمة، تتحرك هنا، وتتحرك هناك، لكنها لا تعلم أين يمكن أن تزخ أمطارها. أنت في التناسخ مشلول، معلول، مسلول، مغلول مفعول بك، منصوب على مقصلة العدمية، أنت في التناسخ منسكب على الأرض مثل الماء المدلوق من دلو مثقوب.
أنت في التناسخ مثل الخرافة، راسخة في الأذهان رغم سذاجتها، وتفاهتها، وسخافتها، قابضة على وجدان الناس رغم ضعف برهانها، وسخف معطياتها.
أنت في التناسخ، تحاول أن تعبر النهر، ولكن بأجنحة الطيور الأخرى، أنت في التناسخ تحاول أن ترتدي قميص جارك، ولكنك تكتشف أنه أسمن منك، فتذهب إلى العالم بقماشة تفيض عن إيهابك.
أنت في التناسخ منسوخ، ممسوخ، تحمل وجهاً غير وجهك، وقلباً غير قلبك، وعقلاً ليس عقلك، أنت كمن يبتاع سيارة فارهة بأموال مسروقة أنت كمن يسكن في بيت جاره الذي غادره إلى مكان آخر.
أنت في التناسخ كمراهقة تعيش وهم الحمل الكاذب، وتدعي أنها محتلة من جهة شخص غادر. أنت في التناسخ قصاصة ورقية، قذف بها صبي عابث في السماء، وادعى أنها طائر غريب خرافي.
أنت في التناسخ، تغادر منطقة الحياة، لتحفر قبراً في زاوية قصية، مثلما تفعل خنفساء منتحرة. أنت في التناسخ، لا تملك ما تختزنها من أفكار، بل أنت حامل للفيروس، أنت مثل مروج الممنوعات، أنه يحمل ما لا يملك، أنه أداة نقل الشر، وتسويق الضرر، أنت في التناسخ، الرجل الآلي الذي عطب جهاز تحريكه، فتوقف في منتصف الطريق، مثل تمثال أزلي.
أنت في التناسخ تشعر بفداحة ما ترتكبه من فظائع في حق نفسك، لكنك لا تستطيع خلع هذا المعطف الضيق عن كاهلك، لأنك فتحت عينيك، وهو يطوقك بصوفه السميك، ولما حاولت إزالته، شعرت بالألم في مفاصلك، شعرت بالبرد، شعرت أنك في العري الذي يفضح عورتك، فارتددت خائباً، شاحباً، صاخباً، مكتئباً، ملتهباً، لا تملك إلا أن تدافع عن محنتك، وتذعن لضعفك، وضياعك، والتياعك، وتخبئ مأزقك تحت هذا المعطف الذي يطلق عليه العادة، أو التقليد.
أنت في التناسخ، جريمة تاريخية، تمشي على الأرض محملة بكل التأنيب، والتوبيخ، والتقريع، ولكنك لا تستطيع البوح بما دفنته النوايا السيئة في رمالك، لا تستطيع أن تنهض، وترفع رأسك، لأن الأحمال ثقيلة، والجبال تضرب بأحجارها على رأسك كلما حاولت النهوض.