بقلم : علي أبو الريش
يوم الشهيد، يوم نعيد فيه ترتيب المشاعر، وترتيب الأواصر، وترتيب المخابر. يوم تزهر فيه منازل القلوب وتزدهر مناهل الدروب، وتزخر جميعاً بالفخر والاعتزاز بما قدمه أبناء هذا الوطن من تضحيات كبرى، لأجل القضية الكبيرة، قضية الكرامة، والشرف الرفيع، قضية الحرية، والصيت المنيع.. يوم الشهيد، يوم المناسبة الجليلة، والأشجان الأصيلة، فيه تتدفق الدماء حرة أبيّة، نقيّة، عفويّة، تحيي الذين رسموا في دفتر التاريخ أروع الصور، وأبدع العِبر، وأنصع من وجه القمر، هذا اليوم هو يوم الرجال البواسل، الذين رفعوا به الراية، عالية شامخة راسخة، هؤلاء هم أبناء الأرض الطيبة، والسجايا المورقة، بأحلام الذين عشقوا الموت من أجل الحياة، وزخرفوا مشاعرنا، بألوان الصدق، والجد والإخلاص، هؤلاء الذين نسخوا خيوط الحرير على رمل الصحراء، لتصبح الحياة نخلة وارفة، مرفرفة عازفة لحن الخلود من أجل وجود لا يخضع لظالم، ولا يركع لناقم، ولا يُخشِع متفاقم.. يوم الشهيد، يوم تطمئن فيه النفوس، وترتفع الرؤوس، وتنصع الطروس.
في هذا اليوم، نقف إجلالاً، لمن غسلوا قلوبنا بالماء البَرَر، وطهّروا أرواحنا بالعذب الشهد، وذهبوا وهم يسجلون حضورهم في الذاكرة، مثل الأنهار، مثل الأشجار، مثل الملاحم الكبرى.. يوم الشهيد، يحضر الأبطال بجلاء وبهاء وصفاء، يحضرون مجللين بالمجد، مكللين بالسعد، مبجلين وهم في غيابهم حضور، وفي حضورهم يمتلكون الألباب والأسباب، والأحباب يضعونهم عند الحاجب وما بين الرمش والرمش، هم هؤلاء الذين حملوا الرسالة مرقرقة بدمائهم الزكية، مطوقة بأرواحهم الأبيّة، منمقة بأنفاسهم المعطرة، كأنها عبق الورد، ساعة هفهفة الأشواق، على أوراقه الندية.. يوم الشهيد، عيد الشهداء الأبرار، المصطفين الأخيار، يوم الشهيد يوم تضاء فيه قناديل العز، وتنشر مواويل الشرف، والعشاق يهتفون باسمك يا وطن ترخص الأرواح، والدماء بحار في أعماقها، ترفل الزعانف بألوان المنعة والأنفة، وتبتسم السواحل فخراً بمن ضحّى ولبّى، وأنجز أعظم مشروع حضاري، ألا وهو صناعة المجد للأوطان، وصيانة الإنسان من الغدر والتجبر.