بقلم - علي ابو الريش
قبل أن تنام تتذكر ماذا حدث في نهارك الفائت. تستدعي صوراً ومشاهد، ووجوهاً ثم تحاول أن تنام، ولكن بعض الصور، تبدو مثل «لزقة البيض» لا تبارح مكانها، بل تظل تساورك، وتحاورك وتناورك وتجاورك، وتبادرك بالمباغتة والدهم، وتقتحم منامك بقوة الطاقة الهائلة، تسجنك مثل عصفور حط من عل، تسلبك مثل المرض الخبيث، تحتلك مثل كائن استعماري بغيض، تستولي عليك مثل طغمة فاسدة.
بعض الصور لا تدعك تفرك جفنيك وتنام، لأنها ترفض أن تراك في السكينة، لأنها لا تشعر بالسعادة إلا عندما تكون أنت في غاية التعاسة. بعض الوجوه تعتريك مثل غيمة داكنة، تغطي نواحيك بالبؤس تحتويك بالرجس، وتأخذك إلى صحارى رطبة، مكسوة بضباب كثيف، بعض الوجوه قاتمة، مثل ليلة خريفية، تجثم على صدرك، حتى تخنقك وتقبض على قلبك مثل تعويذة كاهن مدع، بعض الوجوه تتراءى لك مثل خيمة بلاستيكية، تمنع عنك الهواء والرؤية، بعض الوجوه تغتال فيك أجنة الفرح، ولا تجعلك تنام، حتى ولو تعاطيت أشد أقراص التنويم تأثيراً.
قبل أن تنام تأتيك هذه الوجوه، مسربلة بملامح التوحش، إنها تكشر عن أنياب، أشبه بالملاقط، وتفصح عن لزوجة، تشبه لزوجة بقع الزيت في المياه المالحة.
بعض الوجوه متخصصة في رسم الفزع الليلي، محترفة صناعة الأرق، بعض الوجوه علامة فارقة في تأسيس مملكة الخوف والحزن والجزع والذعر، وإبادة ذرات الفرح إن كانت موجودة، أو على وشك الوجود.
بعض الوجوه، مثل خرقة بالية يرتديها رقيع وضيع، ساعة الشظف الزمني. بعض الوجوه تتراءى أمامك ساعة حضور النوم، مثل لوحة لميت لم يزل في ثياب الفجيعة، بعض الوجوه كابوس بألوان الصيف الحارق تند بعرق الكآبة، وسخريات القدر.
بعض الوجوه سحابة غبار ممتزجة برائحة حشرات نافقة، تتدفق نحوك كي تريك كيف تتم عملية الانتحار، عندما تفقد الكائنات مغزاها في الحياة. بعض الوجوه مثل كهف قديم، تسكنه الأرواح الشريرة، بعض الوجوه مآل للفراغات الموحشة، تأتيك كي تخبرك بأن الزمان يعد ساعاته الأخيرة. ولكنك في جملة فوضى الصور تفكر في أن تنام، ولما تنام تصحو ليلاً، وتحاول أن تبلل الريق برشفة ماء من كوب بارد، ولكن عندما تضع حافة الكوب عند شفتيك، تشعر بالمرارة، لأن جيفة ما مرت من هنا، من حافة الكوب. تبهت أنت، وتضع الكوب على المنضدة، وتتلفت، تريد أن تتأكد إن كان بالفعل يوجد شيء من هذا القبيل في الواقع!