بقلم - علي ابو الريش
تتجذر فينا المحبة كما هي القصيدة الراسخة في جنون الشعراء، كما هي الكلمة الشامخة في وجود الحالمين بعبارة شيقة تتفتح لها أزهار القلب، وتنمو على ضفافها أعشاب الروح.
في هذا البلد تتسامى الأشجار، وهي تضع الثمرات على أغصانها، وهي تلون أوراقها بالأخضر، وهي ترشف العذوبة من صميم الجداول الشجية.
في هذا البلد تكبر الأحلام، وتتفرع، وتزهر، وتثمر، وتفيض وجداً بالنجوم وهي تغدق السماء بوجوه تشع بالنور، في هذا البلد تصبح كل القلوب أنهاراً، وتصير الأرواح أجنحة، والعيون أقماراً، والوجوه قارات تشع بالعفوية، في هذا البلد تتسع حدقة الطموحات بحيث تصبح محيطات بالغة الاتساع، تصبح قارات ترسم على تضاريسها أمنيات الناس الوارفين بالأمل، والغارفين من نبوع الفرح كل ما يفتح نافذة على الوجود، وكل ما يشرع باباً باتجاه الحياة، وكل ما ينشر شراعاً لأجل السفر.
هذا الوطن في رحلة دائمة، وسفر طويل، إنه وطن الانبلاجات الواسعة لأنه منذ فجر التاريخ وهو يضمخ ملابسه بعطر الأعياد العظمى، ومنذ زمن طويل وهو يعانق شجرة العشق بقلب دافئ، ومفعم بحرقة اللقاءات الحميمة، لذلك أصبح اليوم هو موطن الطيور، وهو موئل الأفئدة المغتربة، هو منزل الصبوات، ونخوة العارفين بأسرار الحب، ومدى عرفانيته، عندما تلتقي فيه الأرواح لأجل إرواء الشجرة، وأجل منح الطير مكاناً لعشه، ولأجل أن تصبح الأثمار منارات حلم قيثارة أغنيات، ودوزنة لدورة حياة لا تكف عن النبض، لأن الناس هنا جبلوا على تسلق موجات البحر، والصعود على الكثيب بقلوب لا ترتجف، وجفون لا ترف فزعاً، إنها القصة غير المروية لوطن شفه الوجد عشقاً للحياة، فصارت سفينة ترقب الموجة كي تمتطي صهوتها، وساعداً يتهجى ملوحة الماء كي يرتشف من عرق البحر ما يشفي، وما يجلي، هذا هو وطننا، وهذه هي الإمارات، تبدو في الحياة تيمة، وحرزاً، تبدو وعداً كونياً يحيط بالأرواح فيمنحها التحليق، ويطوق الرؤوس فيهبها السموق، ويخيط قماشة الأمل في أقصى حالات التعب، ويمضي في القافلة إلى حيث ربوة العشب القشيب، يمضي، ويمضي، وسنام النوق يروي العشاق من ذخيرة فطرته، ويمضي الوطن، ورغاء الإبل بوحاً معرفياً يقود إلى ملامسة أنف الصحراء، وتقبيل وجنتها، بكل تسامٍ، وعفوية.
إنه الإصرار على التحدي، وإنه المكوث دوماً في مقدمة الصفوف، إنه كل هذا لأن الوطن آمن بأن الحياة جسر للوصول، وليس مكاناً للتوقف.