بقلم - علي ابو الريش
معضلتنا في الوجود، هي إحساسنا ببلوغ الكمال، وشعورنا بأننا نستطيع صعود الجبال حتى ولو كانت في الهيمالايا. هذه الذروة التي يصنعها خيال مريض يجعل من الطموحات مثل الهواء نحس به، ولكننا لا نستطيع الإمساك به.
الآخرون يعتبرون الاعتراف بعدم القدرة على القبض على الهواء، عقدة دونية وهذا شأن كل فوقي، ومراهق يريد أن يصطاد النملة التي فوق تلك الشجرة في وسط الغابة، وحولها تدور أعين الضواري.
هذا شأن كل مراوغ يظن أن الأحلام فراشات تحوم حول وردة العقل، وعليه أن يقتنصها، ولا يعي أن الحلم إن لم يكن بمستوى الواقع، يصبح وهماً، ويصبح غيمة في سماء قارة أخرى، غير التي يسكنها.
الأشياء تنمو فينا، وتكبر، وتنضج، ولكنها لابد وأن تنتهي إلى لا شيء. عندما نوقن أن الأشياء تكبر لكي تصغر، وعندما نثق بأن الأشياء تنمو لتذبل، وعندما يتأكد لنا بأن الأشياء تأتي لتذهب، عندما يحدث ذلك في أذهاننا ونحن نصدقه، فإننا لا نرتاب، ولا نهاب من الذهاب إلى النهايات، ونحن محملون بالأمل، ونحن مكتنزون بالفرح، ونفيض بالأمنيات البيض.
ما يحدث في الذهن البشري، إنه عندما يصل إلى مرحلة رؤية الأشياء بعين مغشية بالقذا، يشعر بأنه اكتمل، وأكمل دورة النضوج ولا مناص من أنه يقف على قارعة الطريق، ويقول للآخرين ها أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ثم يمضي، ويظن أن الأشياء عندما تكتمل تصبح في الوجود كوناً مفتوحاً على الاستمرارية، ولا داعي للتوقف.
هذه الفكرة التي عارضها كانت حينما أيقن أن العقل البشري يظل ناقصاً مهما امتدت أذرعه، ولذلك وضع الرجل نظريته النقدية التي فصلت مستويات العقل البشري، ومواطن نقصه.
هذه هي عبقرية كانط، وهذه هي نظريته التي غيرت من وجه العالم، من مثالي فج، إلى عقلاني منفتح على الحياة، بصيرورة الأنهار وكينونة الصحراء، وحب الشجر للماء، وعشق الطير للفضاء.
لا شيء لا يقبل النقصان، وهذا سر تطور الكون، وقدرته على الصمود لملايين السنوات، لأنه كون متجدد، وكون يذهب إلى الكمال ليكمل دورته، وينتهي إلى النقصان ليبدأ دورة أخرى.
عقل الكون أجمل من عقل الإنسان، ولذلك فإنه يمضي في تكوينه من دون نقصان، بينما العقل البشري، بأنوية خيالية عقيمة، يتساوى حاله، وحال البحر المسجور، إنه يأخذ في الانحياز إلى موجة عارمة تفتك بأخرى، وهكذا هو العقل، إنه بحر يسجر، ولا يغفر، إنه بحر يعج، ولا يضج.