بقلم - علي ابو الريش
لا تقطعوا حبل الأحلام، علِّموا أطفالكم كيف يحلمون، ودعوهم يرسمون لوحاتهم الفنية، ويلونونها كيفما يشاؤون، وسوف يرتقون بأفكارهم، ولن ينزووا في الغرف المغلقة. سوف يخرجون في يوم ما من تلك الأقبية، وفي عيونهم يرقص شعاع أبيض، ناصع، وعلى وجناتهم الندية سوف تفيض الابتسامة. عندما نسخر من أحلام أطفالنا، وكأننا نكسر زجاج المرآة، لتبدو وجوهنا مغضنة، وعلى جباهنا تتلوى شوارع التجاعيد.
الأحلام طريق الأمل، والأمل نافذة التفاؤل، وعندما نكون متفائلين، فإننا نزرع الأرض بعشب الحياة والنمو والتطور. الأحلام سفينة تعبر بنا مضائق وطرائق، وتأخذنا إلى محيطات، أمواجها مكانس، تمشط سبلنا، وتحميها من الرثاثة.
الأحلام مصابيح تضيء أزقتنا، وتمنحنا خطوات بلا عثرات، ولا كبوات، ولا نكبات، ولا حصى يجرح أصابعنا. الأحلام جداول، تمضي صوب عشبنا، فترويه، وتنميه، وتجعله نضراً، تجعله أخضر يانعاً. الأحلام أهداب تظلل عيوننا، فلا تشعر بالغشاوة، ولا يداهمنا الغبار.
الأحلام نخيلات، عناقيدها صور، منعكسة من مخيلة، مزروعة بالفرح، وعندما نوقف هذا البناء، فإننا نكشف عن معول هدم، يفسد ما منحتنا إياه الطبيعة. طبيعتنا مجبولة على الحلم، لأن في مخبأ الحلم يكمن الجمال، نحن نفر من هذا المخبأ عندما نقطع الحبل السري للحلم، نحن نجهض مشروع الطبيعة الأبدي، ونقتحم أسوارها، ونترك الفناء مفتوحاً على آخره، كي تؤمه مخالب البؤس واليأس والنحس، ورجس الأفكار السوداء. نحن نعلن عن هزيمة منكرة لوجودنا، عندما نطفئ مصباح الحلم، ونترك الدخان يتسلق سقف حلمنا فنختنق، ونحترق، ونضيق ذرعاً بالحياة، تصبح حياتنا نفقاً، ونصبح نحن حشرات نافقة في المكان المهجور. لو قال لك طفلك: حلمت البارحة بأني أتسلق الجبل، ونظرت أنت إليه، وبحلقت في وجهه، ثم نهرته، وقلت له: هذه خرافة، فأنت صغير كيف تستطيع تسلق الجبل. سوف يمتعض الصغير، ويتوارى خلف قنوطه، ويبدو مثل نملة محشورة في زجاجة مغلقة، سوف يسخط ويرى العالم مجرد هالة من الغبار، والهواء الملوث، سوف ينأى بنفسه وينظر إليك، وكأنك جدار سميك اصطدمت به عربته. سوف يتخيلك بصورة مغايرة عن كونك أباه، وسوف يتحاشاك كأنك كائن غريب، له مخالب التوحش.