شماعات الطريق

شماعات الطريق

شماعات الطريق

 صوت الإمارات -

شماعات الطريق

بقلم - علي ابو الريش

لو كنت تسير في الطريق آمناً حالماً، يأتيك من يزلزل سكونك، ويشيع في نفسك الرعب، يضرب مرآتك بأضواء حمقاء متوترة، يريد أن يقتحم الشارع من تحت ومن فوق سيارتك، وعندما تحاول تفادي جنونه يقترب منك أكثر فأكثر، وكأنه يريد أن يغتصب المكان والزمان في لحظة تعالٍ فجّة، وقميئة.
وبعد اللحظات المباغتة، تكون أنت قد رميت نفسك في حارة بعيدة، وكأن الريح قذفت بك، أو أن يداً شيطانية اختطفتك لترديك في المكان النائي، حتى لا يلتهمك حوت الطرقات، ويجعلك كعصف مأكول.
جنون الشوارع هو جنون العظمة الذي يطوق أعناق بعض العتاة والمتمردين على قوانين المرور، ونواميس الطبيعة. تشعر بألم عندما تتأمل هذه الظواهر التي اقتحمت مشاعر الناس، وحوّلتهم إلى ضوار، ولا تخشى لومة لائم في ارتكاب الفظائع من السلوك المرتد عن قيم الإنسان النبيلة، التي وضعها الله في ضمير الناس جميعاً. لماذا يا ترى كل هذا الجنون والمجون، لماذا كل هذا الأفيون الذي خدر، وبذر، وكسر، وأسرف في تبديد المشاعر، وتمزيق الخواطر، وحرق القيم حتى أصبحت كأخشاب تلتهب فيها النيران، فلا توازن، ولا اتزان في استخدام الطريق، وكل فرد من هؤلاء يعتقد أن الشارع غرفة صغيرة في بيته الذي يملكه ولا يشاركه فيه أحد. لماذا كل هذا التورم الأنوي، الذي جعل كل فرد يفكر أن الشارع حلبة مصارعة حرة، يقوم فيها المصارع بفرد عضلاته، ليبين للناس أنه الأقوى والأجدر في كسب المبارزة. لماذا كل هذا التدفق الوجداني الأشبه بالمياه الضحلة، تتسرب في الأماكن التي يعيش فيها الأبرياء، فتقتحم حياتهم بقوة، وتصيبهم بالفزع والموت. طبعاً لو استوقفت أحدهم، فسوف يرد بصلف وعناد، ويقول أنا حر! ولا أعلم من أين جاءت هذه الجرأة للناس، ليفكر كل منهم بأن الحرية هي أن تفعل ما تشاء، في أي وقت تشاء، وأينما تشاء. حرية مشوبة بالفوضى والعبثية والعدمية، وخراب الضمير، وضياع الفطنة، وتيه في غايات لا معنى لها غير أن كل من يفكر بهكذا سلوك، فهو كائن عدواني، لا مبال، ولا تعنيه أرواح الناس، ولا النظام المروري، ولا سمعة البلد، ولا أمانها، ولا الثروة البشرية التي تفقدها ليل نهار على أيدي سفهاء بلغوا حد التفاهة، ووصلوا إلى ذروة الجهل، وتجاهلوا كل هذه المعاني الطبية التي تمتاز بها بلادنا دون سائر البلدان في العالم.
الصحراء علّمتنا قيم التصالح مع الذات وعدم التعالي، والبحر لقّننا دروس الحب، والصرامة في التعامل مع الأشياء، فلا تفريط ولا إفراط. فأين هؤلاء من هذه الأيقونة الجميلة التي علّقتها تضاريس بلادنا في مرايا قلوبنا؟ أين هؤلاء من شيم الأولين الذين يتداعون تسامحاً، وتعاوناً مع الآخر، ولا تغمض لهم عيون، ولا يهدأ لهم خاطر، طالما تعثرت ناقة لجار، أو شكا طفل لقريب؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شماعات الطريق شماعات الطريق



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 14:38 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 18:45 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 11:33 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 16:51 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

اضيفي اجواءًا جريئة ومشرقة على جدران المنزل

GMT 20:37 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

مطعم ياباني يقدم وجبات لحوم البشر بـ 20 ألف جنيه

GMT 17:53 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

ندوة لمناقشة رواية "منتصر" في مكتبة "البلد"

GMT 04:12 2020 السبت ,09 أيار / مايو

برشلونة يقترب من حسم صفقة نجم يوفنتوس

GMT 11:39 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كيت ميدلتون توضح تفاصيل اللقاء الأول مع الأمير وليام

GMT 04:07 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

انتقادات قوية لرئيس بريشيا الإيطالي بسبب بالوتيلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates