بقلم : علي أبو الريش
اليوم عيد، وفي العيد تتفتح أزاهير الفرح، فالكل يهفو ويطفو على موجة من الحبور والسرور، ولا تكتمل الأفراح إلا إذا زرعنا في الأكف ورود المصافحة، وتربعت إشراقة الابتسامة على الثغور، محيية الأحبة والصحاب، معانقة كل من خاصمناه وعاتبناه، وأغضبناه، وأتعبناه، وأشقيناه بكلمة نافرة، أو لمزة سافرة، أو همزة مجاهرة، والأطفال هم عبرتنا وخبرتنا، وفائدتنا، فمن براءتهم يجب أن نطرق طريق التسامح، ومن عفويتهم يجب أن ندق أجراس النباهة، فنغفر ونتجاوز طاقاتنا السلبية، ونحيد عن الضغائن والمحن، ونبتعد عن الأحقاد والشجن، ونقترب من بعضنا بقلوب صافية نقية من الشوائب والخرائب، والنوائب والمصائب، ففي هذا اليوم الحسنات يذهبن السيئات، وفيه تتفتح أبواب السماوات لتتلقى من العباد دعوات الغفران، ولا غفران لمن يضمر حقداً، ويكن نكداً، ويحفظ ما يحفظه الطغاة البغاة.
الحب وحده بناء شامخ، يصنع الحماية والرعاية والعناية بالمشاعر، وإن نتوسد مخدات المحبة، نعش في نوم هانئ، لا تشقيه كراهية ولا تسقمه عدوانية ولا ترهقه غضون الحواجب، ولا تجاعيد الجبين، الحب في العيد يبدو أكثر إشراقاً وبريقاً، الحب في العيد يبدأ بمصافحة من غبنا عنه ومن غيّبناه، ومن جفلنا في وجهه، وعبسنا في مقابلته، وأسقطناه من حسابات العلاقة الإنسانية الرهيفة العفيفة الأليفة.
فلنبدأ صباحنا في العيد بكلمة طيبة، نقيم جذرها في الأرض ونصعد بفرعها إلى السماء، ليصبح للكلمة ظل ظليل، وخل خليل، ووضح دليل، ونسيم عليل وسهر جليل.
الحب في العيد، له طعم الزعفران، في فناجين اللقاءات الحميمة، وله مذاق الهيل في كؤوس المصافحات الحليمة. الحب في العيد جميل مثل جمال الناعسات الكاسيات الراعيات للأناقة. الحب في العيد رائع، من روعة عيون الصغار، وهم يهتفون عيدكم مبارك، ويأخذون العيدية، بقلوب منشرحة مفتوحة على الكون بنصاعة وبراعة النجوم، ونبوغ وبلاغة الخيوط الشمسية المزخرفة بالذهب.
الحب في العيد، سعيد باعترافنا أن هذا اليوم هو يوم القبلات الصادقة، والابتسامات المشرقة، والكلمات المتألقة بالبوح الأصيل. الحب في العيد مساحة خضراء معشوشبة بالتفاؤل والتواصل، وتجاهل كل ما عكّر وغبّر، وما أسفر. الحب في العيد نهر يسقي أشجار يبّسها الفراق، وعبسها الشقاق، وجار عليها سوء التلاق. الحب في العيد نهار تنقشع غيومه، وتجلى همومه، وتدبر سقومه، وتتلاشى كظومه، وتفرح النفوس المكلومة، وتسعد القلوب المهضومة، وتنشرح الأرواح المسؤومة. الحب في العيد طائر عشه القلوب الرحيمة، والنفوس الحليمة، عندما لا يجدها يتخلص من جناحيه، ويهبط على الأرض، مكسوراً مأسوراً مدحوراً، منحوراً، وفي وعيه يكمن الفراغ المدلهم، يروغه كما تروغ المفترسات فرائسها.. الحب في العيد، يدعونا لأن نتصالح مع أنفسنا، لنحب غيرنا.. الحب في العيد يطلب منا أن نتخلى عن أنانيتنا، لنندمج مع الآخر بشفافية.