بقلم - علي ابو الريش
الجديرون بالحب هم الذين لا يطلقون الأسئلة عن الحب، مثلما يطلق الصغار الطائرات الورقية في الفضاء، ويتساءلون إن كانت ستعود فيما قطع الخيط الذي يربطها بأيديهم.
الجديرون بالحب هم الذين يعشقون من دون شروط، ومن دون حبال سميكة تلوى على الأعناق.
الجديرون بالحب هم الذين يعيشون الحياة كما هي، ومن دون ألوان، ومن دون مساحيق، ومن دون مراهم تغطي الوجوه، ومن دون لغة أشبه برقة الزواحف على أرض رملية.
الجديرون بالحب هم الذين يشع من عيونهم بريق البراءة، كما يشق النور من عفوية الطفولة.
الجديرون بالحب هم الذين لا يضعون المعترضات في الطريق، ولا ينفخون في كير المشاعر، كما يفعل الحداد حين يريد أن يمسد قضبان الحديد، لتصبح صالحة للاستعمال.
الجديرون بالحب هم الذين يملؤون الحياة ابتسامة، لا تخفي في جيب معطفها عملة فاسدة.
الجديرون بالحب هم الذين لا يجعلون من القيم سجادات أذرية مقلدة، ولا يصنعون من الشيم ملاعق بلاستيكية، ولا يخيطون من الأحلام قماشة (مريسي) خشنة.
الجديرون بالحب هم أولئك الذين تحرروا من ربقة التجاعيد على الجباه، من أثر الغضون، والشجون، وكل أشكال الضغينة.
الجديرون بالحب هم أولئك الذين تخلصوا من براثن سلال المهملات، وأصبحت صحونهم ألمع من عين الطير.
الجديرون بالحب هم الذين باتت أيديهم بيضاء من غير سوء، وقلوبهم صفحات لم يتجرأ التاريخ على أن يلقي بنفاياته بين سطورها.
الجديرون بالحب هم الذين أيقنوا أن الحياة ليست كذبة أبريل، وإنما هي شهور بكاملها، لها أقلام ترصد كذب الكاذبين، ومروق المارقين، وتحايل دهاة المكر والخديعة.
الجديرون بالحب هم الذين يعرفون أن الحب ليس خياراً أمام الفرد، وإنما هو الأصل في جمال الوردة، ورشاقة الفراشة، وسخاء السحابة، وخلود النجمة، واتساع المحيط، وعذوبة النهر، وسموق الشجرة، وشموخ الجبل، وسحر الطفولة، وعظمة المرأة، وتفوق الإنسان على سائر المخلوقات.
الجديرون بالحب هم الذين يمشون في الأرض باسطي أيديهم، لأجل أن تظل الغيمة تلون الحياة بالأخضر اليانع.
الجديرون بالحب هم الذين لم تزل قلوبهم مثل أجنحة الطير شفافية، ومثل عيون الغزلان نقاء، ومثل أحلام الطفولة صفاء، ومثل غزارة المرأة العاشقة عطاءً وتدفقاً.
الجديرون بالحب هم الذين استيقظوا صباحاً، وقرروا أن لا كراهية في الوجود، وأن الحب ناموس الكون وقاموسه، وفانوسه، ومحسّناته البديعية، ولغته بالغة النضوج، وكتابه المفتوح إلى الأبد، وجمهوريته الأفلاطونية، وفلسفته السقراطية، وحياته البديهية، وسماته الواضحة من غير رتوش، ولا خدوش.
الجديرون بالحب يملأون الجزء الفاضي من الوعاء، لتصبح الحياة نهراً، ماؤه من دفق، وبريق حدق.