بقلم - علي ابو الريش
في الفنجان صورة، فهل هي صورة وجهك، أم صورة وجهي؟ فكلانا شرب من فنجان واحد. كلما تمعّنت في الصورة، شعرت أنك هنا، وأنني أتبعك.
فيا ترى ماذا جرى لنا لمّا افترقنا؟ دلّيني على صورتي إن كانت لديك من فطنة، إن كان الحب لا زال يلوّن شفتيك بتلك الألوان الوردية، فأنا أحببت الورد، مُذ أن كنّا صغاراً وعندما كانوا يتحدثون عن الورد، كنت أتوق إليك، وأبحث عن الورد في شفتيك.
كنت أشم في قميصك السماوي عطر الورد، وحتى الزقاق الذي كنت تلعبين فيه، حتى الرمل الذي كنت تعبرين من خلاله، وأنت في طريقك إلى المدرسة، بتلك التنورة الكحلية، والقميص الوردي، كنت أتطلع إلى الورد، وأتملى اللون الوردي وأمعن في البحث عنك من خلال الورد، كنت تقولين لي: لا تلمس قميصي فسوف يذبل، ولا تنظر إلى شفتي، فكنت أشعر بالخذلان، لكني كنت أذعن لرغبتك، لأَنِّي أحببت الورد، فقط لأنه مزروع على شفتيك، وعلى وجنتيك، وبعد حين من الدهر أحسست أن الورد ينمو في كل مكان، وفي كل زقاق، حتى عشقت القرية التي ضمّت وردك، حتى همت في رائحة الورد في كل مكان، وعلى كل ذرة تراب مرَّت عليها قدماك.
اليوم في غيابك، أنظر إلى الورد، فأشعر أن وردة زاهية تهفهف داخلي، وعلى الرغم من مرور القرون، وسقوط الكثير من الحضارات والأمم، ورغم من تحول التاريخ من حالة الإيجاب إلى السلب في كل بقاع العالم، إلا أن الوردة تزهو في داخلي، وأعجب ممن يدعون أن عمر الوردة أقصر من عمر الفراشات، أعجب من تبجح الشعراء، عندما تفوه ألسنتهم، عن وردة ماتت لمجرد هجران الحبيبة، وأسخر من سذاجة الذين يزرعون الورد على التراب، أو يرسمون له صورة على قمصان النساء، فالورد لا يزرع، إنه مثل الشمس والقمر، جاءا من الدهر، ليبقيا في الدهر، والدهر قائم لا يزول، ولا يتوارى خلف الظلام، إنه الأبدية وكذلك الورد، فما دام على شفتيك، فإنه من رضاب الشفتين يرتوي، لتبقين أنت والوردة مثل الشمس والقمر، ولأبقى أنا المنطقة ما بين الشفتين، ولأبقى أنا العين التي تجمع بين الشعاعين، ما بين الوردة وأنت، وما بين الشمس والقمر.
ولم يزل الفنجان في يدي، مثل ما هي الوردة والشفتين، ما تزال الصورة، مرسومة بعناية في الفنجان، ولم أزل أنا أرشف بشغف، وأحلم بما يفعله الطير، عندما يغسل جناحيه بالنهر، فيأتيني اليقين، إننا كنّا في الأصل، جئنا من الماء، ولكنك عندما قررت الغياب، لبثت الوردة في الفنجان، لأنه ما زال الماء يروي، وما زالت الوردة تهب العطر، وما زلنا نحفظ صورة أول لقاء، وأول همسة، وأول كلمة، وأول ابتسامة فرح، عندما قلت لي أحبك، وتبعتها بكلمة أحب.