بقلم - علي ابو الريش
في غابتك، الأرانب تغزو الأسود، والغزلان تتسلق الأشجار، وتعبر الأنهار وتفسد بيض الطيور، والحمام البري يطير بأجنحة النسور، والأطفال كبار بعقول تاريخية من زمن الخرافة، والنساء جزلات إلى حد السخافة، والحب في غابتك عصفور مشاغب لا يعرف أبجدية الجدل، ولا يعرف كيف يختال النخيل في بلادي زاهياً، عندما يعلو صوت الطير، وترتاح المقل.
في غابتك جنون الصحاري، ومجون المطر، في غابتك كل الكائنات تخبئ أشواقها، تخشى من غيبوبة السهر، وتخشى السفر في فيافي الله، وتخشى أن يغيب القمر، ويبقى الليل مثل لص يدس أنفه تحت جلود النساء، ويسرق الجواهر، ويسرق ما تحت الثوب وأشياء أُخر.
في غابتك شكل من أشكال التحضر المحتضر، وشكل من أشكال البوح المستتر والضمير الغائب والمنكسر.
في غابتك امرأة مشوهة ووجه غريب، وثغر بألوان الطيف المندحر، في غابتك تاريخ مأزوم، وحضارة مهزومة، وقلوب مكلومة، وكؤوس مثلومة، ووعي مشوش، وأنسال من نوايا بلا قابس ولا طير ولا شجر.
في غابتك النساء خفافيش، تمتص دماء الليل، وتغفو في النهار على وتد السهد المستمر، في غابتك عيون النساء مثل بصيص النجمة خلف غشاوة غيمة قاتمة، وخلف سقر، في غابتك طيور وحشية، تعبث بالأشجار والأثمار، وتختفي عن النظر، في غابتك يغتال الحب، وتسبى المشاعر، ويوضع العقل في الحبس الانفرادي، ويهزم الوعي بجيوش من الأفكار والغبار، والسعار، في غابتك الأشجار تشبه أعمدة النور في قارة بدائية، ووجوه الناس كبقايا أحافير من عصور جاهلية، وأصابع الأطفال بأظافر قاتمة، من حقبة هزمتها أصولها البربرية.
في غابتك تبدين مثل قشة على ظهر موجة، تبدين مثل موجة كسولة على ضفة رملية، تبدين مثل حكاية يسردها كاهن، من طائفة جدلية، في غابتك أنت وحدك التي تجدلين ضفائر الوعي، وتبذلين جهداً في تلابيب اللغة والأبجدية.
في غابتك ربما يستهويك التفريط في المعنى، لكي تصبحي امرأة ليبرالية، وأنت في الأصل كناية في اللغة، وأنت الكلمة السرية.