بقلم : علي أبو الريش
كان لدقيقة الصمت في ساحة الكرامة، ضجيج الرعد في السماء، وبريق البرق في العلا، كان لها نغم النوارس في فضاء الخشوع، كان لها سماحة المطر، وهي تغسل القلوب من بقايا حزن، ليبدو الفرح بيوم الشهيد نبراساً لمن صبروا وصابروا، ودعوا الله أن يجعل شهداءنا الأبرار في جنات الخلد، وفي العليين.
كان للدقيقة زمن في التاريخ، كان لها مكانٌ في ملاحم البطولة، كان لها في الحقيقة لب وقلب ودرب، وصبابة العشاق الذين وضعوا الشهيد في مكانة الأصفياء، والأنقياء.
في الدقيقة، صوت السماء وصيت الرجال الأوفياء، وصيانة القلوب التي أوفت وما أخلفت، وصدقت وما تولت وأدبرت، في الدقيقة، كان للصمت أنهر من عذوبة وأبحر من اتساع، ودهور من أنساق التلاقي والتساقي بماء المكرمات، كان لها نافذة تطل من خلالها القلوب إلى واحة الفرح، الوطن كان الشاهد على مشهد الدقيقة، كان الساعد الذي يمتد باتجاه المدى ليمد الأفئدة بمزيد من المثابرة من أجل أيام الإمارات المشرقة. كان للدقيقة، صمت الجبال الشامخة، وبوح المحيطات الراسخة، كان كل شيء ينمو باتجاه النخوة العربية، نخوة الصحراء الأبية، نخوة الرجال الذين يعطون ولا يكفون، يبذلون ولا يجفون، يمدون ولا يردون، يقولون ويفعلون ويذهبون بعيداً في المدى، يذهبون كأنهم الشمس، ترخي أهداب الحياة، من أجل أشجار البقاء.
كان للدقيقة حقيقة الأشياء، عندما تكون أصيلة، فإنها باقية إلى الأبد، وما الموت إلا رحلة مؤقتة تقود إلى بقاء أشمل وحياة أكمل.. كان للدقيقة جسد وروح، وكان لها وريد يدفق بدماء المخلصين الصادقين الذين في عشق الإنسان لا حياد لهم، ولا انحياز إلا لحقيقة البقاء بحرية، لا بديل عنها.. في الدقيقة، كان للصمت لون أشبه بلون النجوم التي حرست ليلة الدقيقة، النصب الشامخ، وهي تقص عليه حكاية الإنسان، عندما يكون في أتم السعادة، فإنه لا بد وأن يكون قد ضحى بروحه أولاً، أو ما له ثانياً من أجل كرامة البشرية وعزتها ونهضتها.
كان للدقيقة، خرير الشلال في أحشاء الجبال، كان لها هدير الرعد في قلب السماء، كان لها نسق حبات التراب وهي تلامس قطرات الماء، كان لها شوق الأشجار لنث الغيمة، كان لها حلم الطير المحدق في أفق الموجة.. كان لها كلمة أوسع من دفاتر التاريخ، وأعظم من تضاريس الأرض.. لأن في تلك الدقيقة، هجعت قلوب وخشعت دروب، وتربّعت على خاصرة الزمن دمعة الصدق.. ودمعة الحقيقة.
كان في الدقيقة، ألف.. ألف نبضة، دعت للشهداء بيوم الخلود في فسيح الجنان.