بقلم : علي أبو الريش
المدرسة حقل أخضر على عشبه ترتع الغزلان والطيور وتحت ظل أشجاره تتفيأ القلوب آمنة مطمئنة، ولكن عندما يعصف الخريف وتحجم الأمطار عن زيارة ولو مؤقتة للأهداب الخضراء فإن الحقل يعجف والفصل يخسف والطالب الذي ترك المنزل لأجل النهل من عيون الحقول اليانعة.. يأخذ مقلباً في نفسه ويظن أنه دخل سجناً وليس مدرسة، الأمر الذي يجعله يقفز من فوق الجدران ويخربش على سبورة الصف ويشتم ويلعن ويلقي بالنكات الساخرة ويستخدم ألفاظاً نابية لا تليق بطالب مدرسي.
المدرسة البيت الثاني للطالب والمعلم أو المعلمة أب وأم عندما يذهب الحنان في زيارة طويلة الأمد إلى قارات بعيدة المدى، فإن القلوب تصبح صحراء قاحلة شاحبة مكفهرة، عابسة، يابسة، لا يقبس فيها ضوء ولا تنبس فيها طير.. المدرسة فناء واسع لا يحتل الإغلاق أو الانغلاق لأنه فناء السحابات الممطرة، فناء الطيور المغررة، فناء العيون المكحلة بإثمد الأمل، فناء الثغور المبللة برضاب الحب والتسامح.
المدرسة دائماً على موعد مع الألفة والمحبة والتسامح فلا يستطيع الطالب أن يسامح زميلاً له إذا نشب بينهما أي خلاف، إذا كان هذا الطالب جاء من بيته وفي قلبه كتلة من جحيم الحقد إلى مدرسته أو مدرسة لا يستطيع الطالب أن يتسامح مع مدرسة إذا كان هذا الطالب وضع الحجاب على عينيه فلن يرى مدرسه ولن يستطيع تبين من يحدثه.
المدرسة، مصنع وإذا فشل الصانع من تهذيب أدوات صناعته فإن المصنع يصبح مجرد جدران بلا هوية ومكان بلا معنى، المدرسة كائن حي بمن فيه إذا أصيب هذا الكائن بجلطة ما فإنه سوف يشل ويعجز عن مواصلة الإنتاج، وبالتالي تموت خلاياه شيئاً فشيئاً إلى أن ينتهي الحال بالكائن إلى النهايات القصوى.. المدرسة لا تستطيع أن تؤدي دورها بإيجابية إذا تقاعست جهات أخرى في مساندتها، وأهم هذه الجهات هي الأسرة التي يتوجب عليها تهيئة الطالب للمدرسة وتلقينه مفاهيم تعلي من شأن المدرس وتقدر دوره وتمجد مهمته.. الأسرة كونها النواة الأولى، فهي مسؤولة عن غرس الوعي في نفس الطالب وإعداده إعداداً جيداً منذ أن يخرج من باب بيته إلى أن يصل إلى باب المدرسة.. عندما يشعر الطالب أنه مساءل من قبل الأهل، وأنه مطالب بالتزامات أخلاقية عليه أن يؤديها بوفاء وصدق، عندما يشعر الطالب أن الأسرة التي ينتمي إليها جزء من إدارة المدرسة، فإنه سوف يخرج من بيته ويضع في ذهنه مبادئ أساسية أهمها أن البناء واحد وأن ما بين الأسرة والمدرسة خيط دقيق يقود إلى الأسرة الأكبر وهو الوطن.. هذا الثلاثي من جينة واحدة ومن فصيلة دم واحدة لا نستطيع الفصل بينهما وإن فعلنا فإننا نحكم بالفشل على مسيرتنا التربوية.. نحن مطالبون بأن نكون يداً واحدة وقلباً واحداً وهماً واحداً لأن المسؤولية واحدة.