بقلم : علي أبو الريش
وسائل التواصل الاجتماعي، حيلة من لا حيلة له، ووسيلة من لا مخيلة له. إنها السائل السحري الذي تسرب في خلايا البعض وأصبحوا مبدعين ومحللين ومنظرين وعباقرة، في بث السموم والسقوم والهموم. تجد رجالاً كالأطفال، يراهقون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويمارسون الغي والطغيان في نقل الأكاذيب، وبسط رياح الدجل، والانهيار الأخلاقي حتى
أقصاه. هؤلاء يتسولون القضايا من خيال البهائم، فيشيعون ما لا منطق فيه ولا عقل له، لأنهم درجوا على التبسيط والتسطيح، والتجريح، والتبريح، هؤلاء في غفلة من الزمن، اختلسوا أذناب الحقائق، وصاروا متعلقين بالنهايات القصوى للأشياء، مقتنعين بفكرية الحرية التي ألبسوها ثياب حفلات التنكر، وانحازوا إلى الوهم، وظنوا أنهم لامسوا شغاف الواقع.. كائنات هبطت
على الأرض، من فضاءات غشاها الغبار والسعار والاندثار والاندحار، والانتحار، فشبت نيرانهم، تحرق الأخضر والأصغر وتبيد مصادر الماء والدماء لتبقى غابة الناس مسكونة بالمفترسات والضواري المتضورة، والمتهورة، والمتكدرة والمغبرة، والتي لا تعرف الحياة من دون سفك دماء الشرف الرفيع، ونحر الحقائق، وبتر سيقان المنطق، ليظل كسيحاً جريحاً طريحاً، يعاني
عاهة القعود إلى أبد الآبدين.. في هذه الأوعية السحرية كنت أتمنى أن أقرأ نصيحة مفيدة، أو معلومة جديدة، أو فكرة مجيدة، أو آراء سديدة، تضيف إلى الإنسان منطقة أخرى، يتمتع في ثرائها ورخائها الثقافي.. للأسف ما نشهده مسخاً ونسخاً يحفر في الوعي أنفاقاً سوداء، شوهاء، غبراء، وشعواء وعشواء، مداها في الزمن لا يطال إلا الحضيض والرضيض، والمستوى
الخفيض.. في هذه الوسائل يتم قلب القدور والصحون، لتصبح فارغة متمرغة، لا جدوى من وجودها. في هذه الوسائل نحن أمام عقل بشري يفرغ الأشياء من معانيها، فبدلاً من الاستفادة من هذا الاختراع العبقري في صناعة العقل وصياغة الوعي، وتهذيب أشجار النفس، انقلبت الأمور إلى عبثية، وعدمية، وفوضوية، وانسياق تام وراء الهزل والجدل، والدجل، والبطل هو من
يسكب أكبر قدر من المتابعين والذين يتشاركون جميعاً في تجويف الواقع وتحويله إلى حالة من الرهان على الجهل، والسعي وراءه بكل ما يملك هؤلاء من قدرات فائقة على التجهيل.
في هذه الوسائل، وسيلة واحدة تتخذ في كل الحالات، ألا وهي الإضحاك، وإنهاك العقل من شديد الشحن بأدوات الحفر في الأوحال، والأدغال. في هذه الوسائل نحن أمام جيل يفتنه الأحمر
الفاقع، ويطربه سوء المواقع، ولا ينتشي إلا عندما يسيء إلى نفسه وتاريخه ووطنه. في هذه الوسائل سوف تتحول الحروف العربية إلى هيروغليفية عجيبة غريبة مريبة، لأن من يقرأ المساجلات يكتشف أن كتابها جاؤوا من عصر ما قبل النقاط على الحروف.