بقلم : علي أبو الريش
البعض أراد أن يماطل وأن يخوض في الباطل، متكئاً على آرائك الكذبة الكبرى، وهي الحرية المقلوبة، فراح يهرول ويهرول، ويؤول، ويجدل الحرية بضفائر من حبال مهترئة، لعل وعسى أن يصل إلى مبتغاه، ألا وهو تحقيق مآرب أخرى، وها نحن نسمع ونرى، وسائل التواصل الاجتماعي، تعج وتضج بأصوات النشاز، هؤلاء الذين استغلوا هذه القنوات المفتوحة على آخرها، لنشر أفكار ملغومة، الهدف منها نشر الفوضى العارمة والرقص على أوتار الحرية المدعاة.
«فلا من شاف ولا من درى»، المهم في الأمر، أن مثل هذه التخرصات أفضت إلى الكثير من التشققات في مجتمعات قريبة منا، حتى أصبحت الأوطان أشباه خيام متفرقة تسكنها كائنات، تعاني المرارة من قسوة الزمن وذوي القربى، كل هذا تم أمام مسمع ومرأى من العالم أجمع، لأن العالم مسكون بشيء اسمه الحرية، وأياً كانت أصابعها بمخالب أم بأظافر، المهم لدى هذا العالم، أن يصبح شعار الحرية، هو اليافطة المعلقة على كل جدار وصدر مثل يافطات المحال التجارية الصغيرة، المختبئة بين الأزقة.
. الإنسان ولد حراً، ويريد الحرية ولكن تحت هذه الكلمة، يجب أن نضع عدة أسطر، حتى نعرف أن الحرية ليست نهيقاً ونعيقاً، ونقيقاً، الحرية مبدأ إنساني إذا لم يحافظ على حقوق الضعفاء، فإنه مبدأ خاسر، ولا يطوق إلا أعناق الجوالين، الذين يضعون المبادئ على رؤوسهم، في بقج أو حزم، ليقولوا للعالم ها نحن نبيع ولا نشتري، ومن يبيع لابد أنه سوف يساوم، وأول ما يساوم عليه هو الضمير.. يا الله، كم هي الحرية أصبحت مثل امرأة قبيحة، استحمت بالمساحيق والأصباغ من أخمص القدم حتى ذوائب الرأس، كم هي الحرية أضحت متاعاً مشاعاً لكل من هب ودب، وسار على الدرب، يخطب ودَّ الحانات وجارات الطرق، سعياً وراء الوهم والخيال المريض، واليوم تمتلئ شاشات الفضائيات إلى جانب وسائل التواصل المزعومة، بوجوه ما أنزل الله بها من سلطان، بعضهم «ناشط» والآخر مفكر ومحلل، وثم باحث في كل الشؤون، إلا شأن الحق، والكبار والصغار، مستمرون مدهوشون، يتابعون ما يجري من سباقات ومصارعات أشبه بمصارعة الثيران الإسبانية، ولا عجب أن نرى مثل ذلك، لأن شباك المرمى انفتحت والكرة تطيش في كل الاتجاهات، والمتفرجون يصفقون ويهتفون «تحيا الحرية»، والحرية براء من هذا الهراء والافتراء، الحرية، بحاجة إلى عناية جان جاك روسو، وإلى عناية أصحاب الضمير الحي، حتى لا نباغت بمزيد من الانفلات الوجداني وتضيع أوطان الناس، في معمعة أصحاب اللاحرية، واللامعنى، واللاقيم واللاضمير.. نقول اللهم احفظ أوطاننا من كل غث ورث، واحم شعوبنا من ادعاءات المغرضين، فالحاجة ماسة الآن إلى ضمير يعيد التوازن إلى العقول والقلوب.