بقلم - علي ابو الريش
إن ينظر إليك شخص قد لا تعرفه، ولكن تتلقى من عينيه شعاعاً يأخذك إلى عالم الأسئلة الغريبة، يأخذك إلى حيث تكمن غابة المجهول، فتظل أنت الحائر تجوس في عنق زجاجة تم إحكام إغلاقها، وتظل تؤل، وتحلل، وتدلل، وتغير، وتبدل، ولا تقف عند حد الإجابات الجاهزة.
عندما تنظر إلى وجه القمر، فتداهمك صورة بالغة الغموض، وترى ما يراه النائم في سكرة النوم، وتظن أحياناً أن القمر يساورك، ويناورك، ويحاورك ويغادر في البحلقة فيك، وقد تظن أن يرسم خططاً ذكية لكي يجعلك تنبهر بضوئه، وتندهش في جمال تصويره، ولكنك لو عدت إلى الكشوفات الفضائية، فسوف تسخر من غزل الشعراء، وهيامهم، بقطعة الحجر العملاقة تبك عند خاصرة السماء.
لو نظرت إلى الشمس، وتأملت الأهداب الذهبية المنسدلة على الوجود، فسوف تعتقد أن للشمس يداً عملاقة، تغوص أناملها في نسيج قماشة ربما تكون من حرير، أو قد تكون من مخمل تاريخي لم يكتب له زمن محدد.
لو نظرت إلى المحيط، وقرأت ما تبديه الموجة من أحاديث مبهمة، فسوف تظن أن المحيط يحاول أن يحاكي فيك دورة الدم في عروقك، وأنه منذ الأزل وهو يحاول أن يقترب منك، ليطمئنك أنه لا ينوي أبداً أن يغرق مركبك، وإنما يفكر دوماً في اصطياد السمكة الأعظم ليهديها إليك.
لو نظرت إلى الصحراء الشاسعة، وحاولت تمحيص ما يحدث لها أثناء مرور العاصفة بالقرب من فنائها، سوف تظن أنها تحشد رمالها، وتلالها، وهضابها، وشعابها من أجل حماية الأشجار التي تحمل الثمار لأجل إطعامك.
لو نظرت إلى عيني امرأة، وتملّيت الرموش، رمشاً، رمشاً، سوف تظن أن هذه النظرات جاءت لك من السماء، وأن الغيمة شريكة في بناء الغشاء الرقيق الذي يطوق فؤادك، وسوف تستمر في الفرح، جرّاء إحساسك بأن هذه المرأة خلقت من أجل تحريك كريات الدم في جسدك، كي لا تخمد أنت، ولا تنطفئ المصابيح في قلبك.
كل هذا يحدث لمجرد أنك تقع تحت سلطة الخداع البصرية، تغطي غرفتك نجوم كاذبة، تظل تتراقص، وتوحي إليك بأنك في فرح وجودي لن تخذله الأيام، ولن تعرقله عثرات الطريق.
كل هذا يحدث فقط لإغرائك، ودفعك للسير في الطريق من دون التفاتة زائغة، ولا خفقة مرعبة، نحن مطالبون فقط بأن نكون في صلب اليقظة، كي لا تسلبنا النظرات حقّنا في الوجود، ولكي لا يصيبنا ما أصاب نرجس الذي نظر إلى صورته في البئر فأعجبته، فظن أنه أجمل ما في الكون، وانتهى به المصير إلى الوقوع في البئر.