بقلم : علي أبو الريش
الباحث عن الحقيقة في السماوات والأرض، كمن يبحث عن ألماسة في كومة تراب، سيتعب في البحث عنها، وإن وجدها ستكون معفّرة بالتراب والغبار.. الحقيقة في داخلنا، الحقيقة هنا عند مربط القلب، عند وعيها في ذاتنا.
الحلم في القراءة، هو صوت القافية في قلب القصيدة، فنحن نقرأ لأننا نحب الحياة، ونقرأ لأن الحقيقة في داخلنا، نقرأها ونجدها ما بين السطور عند ثغر القلب المغسول بالحب، فلا نرى غيرها، لأنها أوسع من الغموض، لأنها أكبر من السطحية، لأنها مثل المرآة المدهونة بالشعاع القادم من ضوء العين.
العارفون أكثر صدقاً من المعتقدين، وأوسع وعياً من الذين يتذكرون ولا ينسون. في الذاكرة، شيء من الحقيقة وأشياء من الوهم، هذا ما يجعل المرء يكتنز أحزانه، وعقد ذنبه وخوفه الأبدي.
الخائفون لا يبدعون ولا يستمرون في الحياة، لأنهم جبناء أو أنهم منحرفون محترفون للكراهية، فلا تكن أنت العقل، فكن أنت الروح، العقل مخادع ومحتال، وماكر، يذهب بك إلى متاهات الخديعة إلى أن تصبح كائناً بلا عقل، مدمراً متذمراً مكفهراً حزيناً قميئاً.
الروح وحدها مخزن الأحلام الزاهية، هي وحدها مكان التجليات، والعطاء الإيجابي. اقرأ بروحك لا بعقلك، تجد نفسك عند هامات النجوم تجد نفسك طائراً يحدق في الوردة، ويحلق عند هفهفات النسيم.. كم هي الحياة بائسة عندما يستولي عليها العقل، بذاكرته المسممة بأحداث الماضي.
كم هي الحياة سوداء، عندما يلجها عقل أطفأ أنواره، حاملاً معه براثن ذاكرة محفوفة بآلام وأحزان.. الروح وحدها التي تعيش اللحظة وتشعل شموعها ببهجة الحاضر مضاءة بمصابيح الحرية المطلقة، ونحن أجزاء من المطلق، نحن أشياء من الأبدي، نحن بشر من هذا الوعي الإلهي المجيد، جئنا لكي نخصب الحياة بالقراءة لنكتب عنها بحب ووجد العشاق الأجلاء قالت رابعة العدوية «من كثر حبي لله لم يبق مكان في قلبي لكره الآخر»، هذا الوعي الروحي، المتحرر من آفات ورواسب الماضي، المنبثق من بياض الموجة المتجددة، الناهض من بريق النجمات اللامعات مثل قوافي القصيدة العصماء.. لا يحب إلا كل من تخلص من العقل ومن لوغاريتماته المعقدة، لا يحب إلا من عرف أن الحب شجرة نحن الذين نسقيها من وعينا عذوبة الأبدية، نحن الذين ننشف قماشة الحلم، من بلل الماضي لنمضي تحت الشمس من دون ضبابية أو ضجيج الذات المزيفة.
نحن الحقيقة التي تنبض في داخل الكون كجنين في رحم أمه، نحن الذين نرفرف في فضاء الحياة، مثل الأجنحة المتطلعة إلى فضاء بلا غبار السنوات الماضية.. وهكذا فإن للقراءة وعي الكائنات بالحب مثل حلم الأشجار في التألق ساعة يمر النسيم عند وريقاتها.