بقلم : علي أبو الريش
هكذا أوجز صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في خير الكلام، وهو يخاطب حملة الراية التنويرية في بلاد العرب. وأضاء في حديثه مع أصحاب الكلمة، فرسان جيادها الطريق التي يجب أن يكونوا فيها، وعند ناصيتها وقارعتها، معللاً ذلك أنه لا مناص من مواجهة العتمة بخير الكلمة، والتصدي للتحدي، بجسارة لا هوادة فيها ولا تواني، ولا تراخي ولا استرخاء ولا نكوص.
فالمرحلة محفوفة بالمخاطر، والشجون والشؤون ما يفرض على كل ذي ضمير أن يكون متحدثاً رسمياً أميناً ورزيناً رصيناً، لا تأخذه لومة لائم في قول الحقيقة، وبلا التباس أو احتباس، أو وسواس أو خناس، فأما أن نكون أو لا نكون ولا خيار ولا انحياز إلا للحقيقة. والحقيقة أن لا نستخف ولا نرتجف، بل نصول جامحين باتجاه الوضوح، ضد الإسفاف، والاستخفاف، والارتجاف، لأن الأوطان أمانة في عنق كل إنسان شريف عفيف يضع الوطن ما بين الرمش والرمش، وعند نبضة القلب.. كلام سموه نبراس يضيء المكان والزمان والأوان والأكوان، ويضع منهاج شرف وميثاق وجود يصد ويرد ويحد من التطاول والتحايل والتخاتل، والباطل يقف سداً منيعاً، ضد تيارات الخوف والظلام، والارتداد إلى مراحل ما قبل التاريخ.. كلام سموه حديث الروح للأرواح يسري، ويسقي جذور الأشجار بالماء والبرد، ويحدد مواقف حاسمة جازمة، صارمة، قاصمة لأي اعوجاج أو إزعاج يشوش على مسيرة البشرية، وهي تحث الخطى نحو حضارة تنمي العقل، وتزهر الروح، وتفتح آفاق التنفس في هواء طلق ونقي.
أجل نحن بحاجة إلى هذه الأقلام التي تغسل ضمائرنا، وتشذب أشجارنا، وتنظف أعشابنا، وتسكن ديارنا، مثل قناديل فرح، نحن بحاجة إلى هذه الأقلام، كي ننقي التاريخ من أكاذيب الذين زيفوا وتعسّفوا ونسفوا وخسفوا وضيّعوا وضاعوا وتاهوا في دياجير الإفلاس والاختلاس، والدسائس والنميمة، واختطفوا سفينة العالم، جهاراً نهاراً، في غياب الوازع الأخلاقي، وموت الضمير، نحن بحاجة إلى الأقلام التي تذهب معنا إلى حيث تسكن النجوم، وتستقر الأقمار وحيث تفصح الشموس، عن خيوطها الذهبية، معلقة على نحور الذين عشقوا الحياة، وأحبوا الآخر من غير تضمين أو تخمين، أو تقنين، نحن نحتاج إلى هذه الأقلام، من دون رتوش أو نقوش أو خدوش، نحتاجها فقط لأن تكون في صلب الحقيقة، وعند شغاف القلوب، ترسم الأحلام زاهية صافية مزدهرة بالفرح.
نحن نحتاج إلى هذه الأقلام، وهي سلاحنا وصلاحنا وفلاحنا وصباحنا، الذي يشرق بتغاريد البوح الجميل، والصدح الأصيل.. هذه الأقلام نتشوق لها، ونعشق حبرها، ونهيم وجداً بحبها لأنها في الأصل عطر معاطفنا، وعذوبة مائنا، وجمال صحرائنا.
هذه الأقلام التي نريدها، والتي نضع الآمال العريضة على عوائق أصحابها لأنهم قادة الرأي وسادة الكلمة.