بقلم - علي ابو الريش
ما بين الصداقة والشراكة خيط قد تقطعه سكين الأنانية، عندما يتدحرج وعينا على سفح جليدي، ثلجه من نثار أنا، تطورت نسلاً من نظرات ضيقة حوَّلت طرق الحياة إلى دروب ملتوية، مثل حبال غسيل قديمة.
في الصداقة بحث عن أسئلة الوجود، وفي الشراكة سؤال حول ماهية الأنا، وأذرعها الممتدة في التاريخ منذ أن نطق الإنسان الأول كلمة أنا.
في الصداقة دائرة محيطها الـ «نحن» ومركزها الحب، وكلما كبر مركز الدائرة، اتسع محيطها، وكلما أصبح العالم أكثر انتشاراً في الوجود، تضاءلت حدة الفوارق بين أصابع اليد الواحدة.
عندما تتخلى العلاقة بين الأفراد عن الشراكة، وتذهب إلى الصداقة، يصبح ماء النهر أكثر صفاءً، لأنه ينقى بأحلام قطرات المطر، ولا تغشيه غاشية ملح الأرض.
عندما تصبح الصداقة في الوعي تداخلاً بين طرفين، لا سالب بينهما يصبح الوجود أكثر دقة في ترتيب أشيائه، وتفاصيله الصغيرة، وتتخلص الإنسانية من ورطة الأنا، وتنمو على أعقابها شجيرات، أوراقها تفوح برائحة المطر وأغصانها بلون السماء.
عندما تحلق العلاقة البشرية بأجنحة الصداقة، تصفق السماء للطيور التي تتسرب في الفضاء مثل كويكبات أبدية، تهطل بالهديل ولا تسكر، تتطور في الحياة وعياً، يرسم صورة الاندماج بين مكونات الوجود من دون خطوط حمراء، تفرز شرايين الجسد الواحد عن بعضها، وتحدد كتلة الدماء ولونها وشكلها. في الصداقة يتسع الوعي كالمحيط، وتطوي الأنا سجلها إلى الأبد.
في الصداقة تتوارى الشمس القائضة، وتلف الوجود غيمة ندية تبلل ريق الحياة برضاب الحميمية، وتمنح الوجود غصن الزيتون.
في الصداقة تختفي علامة الاستفهام، وتزول شهقة التعجب، وتمضي الجملة الاسمية في سرد رواية الحياة، مثل النهر في عروق الأشجار، مثل الضوء في الغرفة المظلمة، مثل الحلم الزاهي على صفحات العفوية، مثل البريق في عينين نجلاوين، مثل الرفرفة في غضون جناحي الفراشة، مثل النضارة في وريقات زهرة برية.
عندما تحضر الشراكة، تبدو الأنا مثل أحفورة تم اكتشافها في كهف قديم، تبدو الأنا مثل مومياء استعادت روحها بصورة خرافية رهيبة، تبدو الأنا كائناً أسطورياً عدائياً، يخرج للوجود مثل طامة تهدر وتغدر، وتكسر وتفجر، وتطيح المعاني والقيم.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد