بقلم : علي أبو الريش
الكلمة شجرة نحن الذين نضع الثمرات على أغصانها، نحن الذين نشذب بستانها، نحن الذين نضع التغاريد عند لسان عصافيرها.. الكلمة الطيبة نقطة الضوء في ظلام العالم وبوح الطير في صمت الليالي المدلهمة، ووشوشة الموجة عند سواحل العشاق، هي أصل الأشواق وبريق الأحداق، هي القلادة المنضودة بخير الأطواق.
الكلمة الطيبة رسول سلام ووئام وانسجام، من أجل عالم بلا عتمة ولا احتدام، هي المسافة المضادة ما بين الأول والآخر، هي في العبادة رائحة الليمون وعطر اليافعات الحسان، هي الهديل والسلسبيل والبوح النبيل، هي خصلة النيات الأصيلة، هي عزف المواويل على شفاه من عشقوا وحدقوا ونسقوا، وتطرقوا لعباب وأسباب تثمر بالدر النفيس.
الكلمة الطيبة مصباح الحلم، ومفتاح العلم ونافذة تطل على الأفئدة تمنحها الصفاء والبهاء والنقاء والبقاء والانتماء إلى كون لا يخب ولا يجب، هو كون الذين يلونون الحياة بالفرح، وينحتون على الرمل خطوات الأمل ذاهبين بالمعاني الجميلة نحو غايات، لا تعتم ولا تكتم، هي المسافة ما بين الروح والروح، فلا وسيط غير الحب المجلل بالفطرة النبيلة.
الكلمة الطيبة هي البنان المرفوع نحو أفق العلاقات الإنسانية الرهيفة، هي البيان الشارح الواضح، الفاصح، الناضح، الراجح، الصادح، الملبي لأسئلة النفس، العابر قارات القلب بلا حدود ولا سدود ولا موانع ولا فواقع.. الكلمة الطيب نهج الذين تجاوزوا حدود الذات، واجتازوا عواقب التقصير والتجريد والتبديد والتقليد والتغريد خارج سرب الحقيقة.
الكلمة الطيبة، فن الذين تحرروا من عقد ونكد وبرد وقدد وحقد وحسد، هي طريق الذين اعتنقوا الحب منهاجاً وسراجاً وكتاباً محفوظاً لا يمسه سوء، ولا يناله مكروه، الكلمة الطيبة قارعة الذين أحبوا الحياة فزرعوا في حقولها التين والزيتون وملؤوا فناجينها زعفران الفرح وهيل السعادة وطوقوا الناس بقلائد العفوية وشفافية التساقي وحميمية التلاقي، واستقوا من عناق الأغصان وحيا يسدد خطى الأوطان، وشيدوا حصون الهوى من قافية رصينة ووزن حصين، ونهلوا من صفاء النبوع نبوغاً في بناء الأحلام، وحماية الأنا البشرية من أي أذى أو شوائب.. الكلمة الطيبة.. صناعة الذين يجيدون تنفيذ المشاعر وتنقية القلوب من أي غبن أو شجن أو محن أو عفن.
الكلمة الطيبة.. فرض ونافلة ومفصل وفاصلة، وجوهر الأشياء في البدء وفي الحياة المقبلة، إنها الفضيلة بمعناها ومغزاها وإنها الغريزة العاقلة.. الكلمة الطيبة.. دفتر مفتوح على الذاكرة، نكتب فيه عن طفولة المعرفة وتباهي الفلسفة، نكتب عن فحوانا وسوانا وعن مكاتيب أزهرت بحروف لا يقضها قضيض ولا يكظها رضيض، إنها حياتنا التي يجب أن تكون بلا شوائب ولا خرائب ولا نوائب ولا نواكب ولا مصائب.. الكلمة الطيبة خروج عن المألوف إلى باحة الحقيقة.