بقلم : علي أبو الريش
المستقبل مثل الشمس، ونحن الأشجار والأغصان المورقة بالحب، تثب نحوها، تبحث عنها حتى من بين ثقوب الحياة، لأنها الضوء الذي يمد أهدابه الذهبية، كي يعانق الأخضر، كي تثمر الأشجار، وتنمو الحياة سوية، مستقيمة، مستديمة، قوية، صارمة، حازمة، حاسمة، مبتسمة، مرفرفة، مجتمعة نحو السماء، كما تعانق النجوم، وتستمطر الغيوم، وتحيي الذين يعشقون الحياة،
ويلونون الزمان بزهر الرمان والزعفران، ويعبقونه بعطر الريحان، المستقبل، نريده لأنه بلون المصابيح التي تضيء غرفنا، ولأنه برائحة البخور الذي يعطر أبداننا، ولأنه بنفس تضاريس بلادنا، ولأننا دوماً نقف عند بحرنا وينادي هيا للفلاح، وينصب خيامه في صحرائنا، ويفوه بأحلام اللوز والسدر والنخل.
المستقبل، نريده لأنه يشبهنا، ولأننا ولدنا فيه قبل أن يولد الزمان نجومه وأقماره، وأحلامه، وأمنياته وطموحاته.. المستقبل نريده، فهو الكائن الذي يسكننا، ويعرش في وجداننا، ويبني صروح البازخة في قلوبنا، لأنه يعشقنا ويحب دوماً أن يسمع الموال على لسان أطفالنا، ونشيد المراجيح المترفة، من شفاه الناسات الغارفات من حلم وبوح جميل.. المستقبل نريده ونهواه، ونهوى
من يهواه، ونحب من يزرع عند بابه شجرة السعادة، ويطوق جدرانه بالأمل. المستقبل نريده لأنه المسافة التي تفصل الوريد عن الشريان، هو ما بين الرمش والرمش، هو عند الحاجب فوق الجبين، هو كاللجين يرسم صورتنا في الواقع، ويضيء مكاننا بالإنجازات التي تفرَّعت وأثمرت جيلاً يعي أنه مسؤول عن الحفاظ على هذه الأمانة، وأن أنيط به المثابرة وعدم اليأس، فلا
يأس مع الحياة، هذا المستقبل يقف كل صباح وعند كل شروق شمس، يغني لليقظين، وللذين تركوا أسرة السبات وفركوا الجفون واثبين مثل الجياد، ذاهبين إلى إبداع الجديد، محلقين في فضاءات الصور الجديدة والمبهرة لبلادنا، محدقين في ثنيات مدننا وطيات شوارعنا، مشيعين الابتسامات العريضة، عندما يقومون بأعمالهم، ومن دون ضجر أو ملل، يباشرون ويبادرون
ويجدون ويجتهدون، ويكدون ويكدحون، ويعلنون صراحة أنهم لا يعرفون الكلل، ولا يفهمون ما معنى الملل، لأنهم من فصيلة الكواكب والنجوم مصابيحها لا تطفأ وعيونها لا تفقأ، وقلبها نابض بالحياة، وروحها بأجنحة الصقور.
نريد المستقبل، ونحيي كل من يخبئه في قلبه، ويسقيه من دمه ويملأه بالحب كلما غضب أو سغب أو تعب.. نريد المستقبل لأنه ملح طعامنا، وسكر وجودنا، وقلم حروفنا، وصفحة من صفحات روايتنا الإنسانية، ونحن نخاطب الآخر بكل حب وشفافية وأريحية وحيوية.
نريد المستقبل، لأنه كتابنا الذي نقرأ فيه قصة النشوء والارتقاء، وما صلح وما طلح من كائنات الله.