بقلم - علي ابو الريش
قال سارتر إننا محكومون بالحرية، وربما تكون هذه أمنية فيلسوف أراد أن يزرع التفاؤل في نفسه، ونفس الآخرين، ولكن ما يحدث في الواقع هو النقيض، حيث اللاوعي يقود المركبة الفضائية إلى مسارب، ومشارب أبعد ما تكون عن الحرية التي تحدث عنها سارتر، لأنه ما من بريق يلوح في الأفق يشير إلى أن البشرية ذاهبة إلى حرية حقيقية، فلطالما يضع اللاوعي أغلاله ليس في الأيدي، وإنما في الأعناق، ويمضي بالركاب إلى رمال تغوص فيها الرؤوس وليست الأقدام، لأن الوعي تسرب من الأمكنة، وحضر اللاوعي بكل ما يملك من قوة، فاليوم يبلغ التطرّف مبلغاً مؤلماً، وينسج خيوط محنته في الواقع، ويأخذ العالم إلى مناطق موحلة، ويسحب العربة البشرية إلى مستنقعات قد حبست في قيعانها كل نفايات الدنيا.
اليوم نجد التطرّف بكل أشكاله المقززة يفرد عضلات البؤس والرجس، ويتمدد كأنه في حالة نشاط غريزي أشبه بغريزة كائنات الغاب، ويمارس بغياً وطغياناً بحق الأبرياء، وبذريعة أفكار لا علاقة لها لا بدين ولا دنيا، أنهار الأفكار التي نبتت تحت جلد الأموات، فانتشرت طفيليات تتغذى على قذارات من استمرأوا تلوين الحكاية بأصباغ فاقدة الصلاحية.
محكومون باللاوعي، يحاكون الخيال، ويحاكمون الناس على سكناتهم، وحركاتهم ونبضات أفئدتهم، وعلى لباسهم، وشكل لحاهم.
محكومون باللاوعي، يمارسون الحياة، كما تُمارس الخفافيش أسرار وجودها، تحت جنح الظلام، وخفية خلف أستار الجدران السميكة، ويعيثون فساداً في المصير البشري، ومن غير ذمة ولا ضمير، لأن الوعي أجل حركته إلى زمن غير معدود، ولأن اللاوعي أخذ ناصية القرار، ورفع العصا في وجه كل من يعترض طريقه، وقال للناس أنا هنا، وأنا في المقام صاحب المقال، فالتحقوا بي، لنؤسس جمهورية أفلاطون، وأفلاطون بريء من خزعبلات من لا يعي ماذا يمكن أن يحدث لو راوغ وناور العقل واندس تحت جلد اللاوعي.
إننا في حضرة هذا الزحام اللا واعي، نخدش الحقائق، ونشوه وجه الطبيعة البشرية، ونسوف في التعامل مع الآخر، ونسف في تبني القيم، بل ونجعل القيم مطايا تذهب إلى الأرض القاحلة، بدلاً من عيون الماء.
ما يحدث ثورات برتقالية، إلى سترات صفراء، إلى عباءات سوداء جلها قادمة من منطقة واحدة، هي منطقة اللاوعي، هي المنطقة السوداوية العدائية المدمرة، هي تلك البذرة الشيطانية التي يفرزها اللاوعي، كي يصبح العالم، في الحفرة السوداء وكي تتوقف العربة عن المضي إلى النهر، وكي لا يشرب العالم إلا من الوحل.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد