بقلم : علي أبو الريش
لو نفكر معاً، لأنقذنا أنفسنا وانتقلنا بالأوطان إلى مراتب عليا، المشكلة في الإنسان أنه لا يريد أن يفهم غيره، ولا يريد أن يقترب من غيره، لأنه يتوهم في فهم الآخر أنه موت الأنا. فلو تقابل تياران بسرعة البرق، لعلت الموجة وتناثرت الأحياء البحرية، وأصبحت الحثالة بساطاً ينشر قذارته على سطح الماء. التيارات المتطرفة تحذو حذو هذه الحماقة الطبيعية، فهي تمشي في
الضد، وتسير في المواجهة بعنف، معتقدة أنها بهذا السلوك العدواني تحقق ذاتها. والعكس صحيح، وما يحدث في عالم اليوم يثبت أن الأنانية والحماقات، أبادت شعوباً، وشردت أبرياء، ودمرت أوطان، وانتهكت سيادة وأعادت أوطاناً إلى مراحل ما قبل التاريخ، ما يجري في اليمن مثال حي على الأنانية وضعف الإرادة العقلية، وضياع البوصلة، فعندما تنتهك شريحة من
المجتمع، ولو ضئيلة، وتخربش في لوحة الوطن، وتعتدي على الشرعية وتدمر المرافق، وتوقف حركة الزمن في البلاد، كل ذلك يدل على أن العقل لدى هذه الجماعة قد توقف عن العمل، وأن الضمير بات أحفورة لا قيمة لها، والحس الوطني تسرب في خلايا الطموحات البائسة، والدين صار جلباباً مرقعاً، رثاً، لا سلطة له على النفس سوى أنه قشرة فوق بطيخة عفنة. ما
يحدث في اليمن هو انعدام للرؤية نتيجة للضباب الكثيف الذي أصاب البيئة الثقافية لدى شريحة معينة، والحوثيون يمثلون هذه الشريحة، التي تفاقمت قرحاً، وتورمت، وتأزمت وتمزقت
وتهورت وتدهورت، وانحدرت إلى أسفل الدرك، وصارت لعبة سهلة بأيدي من تأبط شراً ضد اليمن وغيره من بلاد العرب.. التصنيفات الدينية ظهرت على بينة من الذين يريدون تغليف الدين، بأوصاف ونعوت، لا علاقة لها بحقيقة الدين وأهدافه ومراميه. الذين يصنفون هم أولئك الإلغائيون، والإقصائيون، واستخدموا هذا السلاح لأجل تحرير مشاريع باطنية بغيضة. إيران تبكي على الحسين، والحسين عربي، وإيران ترفع شعار الدفاع عن الدين، والدين وليد هذه الجزيرة المشرقة.. إذاً المسألة تتضمن ادعاء وافتراء وهراء، وسباقاً محموماً باتجاه التزييف لأغراض الهيمنة والدفاع عن الذات المريضة، والأنا الضعيفة.
ولكن مشكلتنا تكمن في الحقيقة ليس فيمن يتدخل في شؤوننا وإنما هي مرتبطة بصلب العقل الغبي، والساذج لدى بعض الشرائح التي تريد أن تحقق ذاتها على حساب الوطن، منبطحة تحت أقدام من يتاجرون بقضايانا، ويتهافتون ظمأى، لأجل تجريد الإسلام من هويته، وسلخ العروبة عن جلدها، والبقاء على أوطان شائهة ومضعضعة، تابعة يحكمها، من آثر أن يكون اللامع
الساطع في المشهد حتى وإن ذهب الوطن، ومكتسباته أدراج الرياح.. هذه معضلة ما فاضت به قريحة أمثال الحوثي، ومن والاهم.. هذه الانتكاسة التي وصل إليها الذين يعشقون الذات
ويكرهون الوطن.. هذه بؤرة الخطر التي يجب أن يتصدى لها كل شريف وعاقل، وذي حس وطني وإنساني.. لأنه لا مجال للبقاء بين القوسين، فإما أن نكون أو لا نكون.. ولكي نكون يجب أن نضع حداً للتيارات المتاجرة بالدين، والوطنية، وأن نعلي شأن الأوطان فوق كل اعتبار وتيار.