بقلم - علي أبو الريش
عندما تجد نفسك معلقاً في الفضاء، وفوق الغيم، تفكر في العمر الذي اختطفه طائر معدني، وذهب به في علياء المجهول، وذهبت أنت في وسط الغيم مثل قطرة مؤجلة، مثل بقايا وجود لم يتشكل بعد، مثل حلم باهت بلا معنى.
تفكر، لماذا وافقت على رحلة غير مفهومة، ولا مقبولة في الأساس من جهتك؟ تفكر، لماذا تغيب كل الصور، وأنت فوق الغيم، ولا تحضر إلا أنت؟ ولماذا هذه لن تجدي، ولم تمنحك حلاً للغز وجودك، وأنت تغرق في قلب السحابة مثل قارب يوشك على تسليم قدره للبحر، وها أنت ذا تسلم نفسك للاشيء لا تدري أين تحط بك الفكرة، وأين تذهب بك الغيمة.
ما أتعس الإنسان عندما لا يملك قرار اتخاذ المبادرة، ما أتعس الإنسان وهو يكظم غيظه في صدره، عندما ترتفع نبرة الريح، وتسمع من قريب، أن مطباً هوائياً يدهم الطائر المعدني، وربما هذه مزحة تطلقها الغيمة، ولو حدث هذا الأمر قبل زمن من التاريخ، فإنك تقول إن كائناً خرافياً ما يحاول أن يقلب الطائر المعدني رأساً على عقب، كي ينتقم منك، أجل ستقول ذلك، لأن الأفكار مهيأة لذلك، أما اليوم، وبعد أن أصبح العقل البشري أكبر من وعيك بالخرافة، بل صار الإنسان نفسه خرافة، بناء على معطيات اختراقه لكل الخرافات التاريخية وتفسيرها وتحليلها، واستنباط الأمثلة العلمية منها، والاستفادة من نتائج التحليل في خدمة الإنسان، وتحقيق آماله وتمنياته، الأمر الذي يجعل الإنسان عندما يكون في قلب «الطائر»، يشعر بتفوقه على سائر الكائنات، وهذا ما يطمئنه ويمنحه فرصة التحدي من جديد، ويفتح له أفق مواجهة مع الطبيعة، ولكنها مواجهة بين حبيبين، تفيض بالود وتمتلئ بالتكامل في هذه اللحظات، وأنت في قلب الغيمة، تبلل ريقك بالعذوبة، وتنتشي، وكأن في الكأس ما يذيب الفكرة، ويسرق من الغيمة بللها، ليطيب للعالم حلم السعادة.
في هذا المكان من وعي الزمن، لا يبدو للمكان ما يشبه الجغرافيا، بل أنت خارج التضاريس، وأنت داخل الوجود، بكل تقانة ومهنية، كما تفرضها حاجة الوجود للحضور بقوة، لاستمرارية الحياة، وانتعاش الوعي خارج نطاق المألوف، عند حافة إبداعك الخاص.
أنت فوق الغيمة، مثل إطار ذهبي لصورة خالدة في الذهن تستمر في البريق، وتستمر في استيلاد الذاكرة، كي لا يخفت وميضها، ويضل العالم طريقه إلى الحياة، تحت جنح الظلام.
قد يهمك أيضًا: