بقلم - علي ابو الريش
هذه هي مقولة فيلسوف التنوير (فولتير)، وهي بالطبع تنطبق على الكثير من الناس (مفكرين ومحللين)، نعيش اليوم حالة من فوضى المعرفة، حيث إن كل جاهل يستطيع أن يحلل أصعب القضايا وأعقدها، وذلك لغياب المعايير العلمية، كما وانتشار الوسائل التي تنشر كل غث ورث، ولا تترك واردة ولا شاردة ألا ووضعتها في جعبة تلك الآلة الحمقاء، وبثتها بكل صفاقة، وعلى القارئ، أو المستمع أن يتلقف وبتلهف كل ما يلقى عليه من نفايات العقول المدعية العلم والمعرفة.
اليوم يتصدر المشهد الإعلامي والثقافي كل من يستطيع أن يتغلب على ضميره، وكل من يستطيع تغييب وعيه، وكل من يستطيع التخلي عن حيائه، وكل من يستطيع مقاومة الحقيقة، ويغوص في اللاوعي. هذه هي سمة عصر القنوات المفتوحة على آخرها، ومن دون رقيب لا حسيب، وتحت شعار الحرية التي تم اغتيالها بفعل هذا الادعاء، ما تسبب في ضياع أوطان، وزوال مبادئ، وتلاشي
قيم، واختفاء أحلام.
اليوم تحت شعار الحرية، صار الوعي يتخبط في عراء اللاوعي، وصار العقل مثل أنياب ضارية تنهش بالحقائق، وتحولها إلى ركام ودخان وزبد. اليوم الكل صار ينهش بالكل، والكل صار علاّم الغيوب، والكل يضرب بأطناب الواقع ومن دون رحمة ولا شفقة، والكل في سباق مع الزمن، لنيل الشهرة، وحتى الذي يتحدث عن ماذا يأكل، وماذا يلبس، وكيف ينام، وكيف يمارس حياته اليومية، هؤلاء هم مشاهير العصر وفطاحله، وأفذاذه، ونوابغه، وهم أصحاب الفصاحة والحصافة، وهم من بلغوا ذروة المعرفة، ولذلك عندما ينظر هؤلاء، فعلى الناس أن يصيغوا السمع، وأن يبقوا خاشعين، أمام من يلقي عليهم جواهر الأخبار النادرة.
اليوم ونحن نعيش عصر السباب والشتائم والألفاظ النابية، والكلام البذيء، أصبح من يريد أن يرتقي سلم الشهرة، عليه أن يدخل هذه الغرفة غرفة إلقاء المحاضرات الملونة، بلون رمادي قاتم، وشاحب وصاخب.
اليوم الشهرة لا تحتاج إلى بلاغة بوح، ولا إلى فصاحة قول، ولا إلى جهد قراءة، وبحث وعلم، فقط عليك أن تستل جهازاً بحجم كف اليد، وتفتح على موقع يخصك، ثم تبدأ في رمي جمرات الحقد على
الآخرين، وبحق أو باطل، اقذف رمياتك، ثم نم قرير العين هانئاً. هذا كل ما عليك فعله ولا
عليك من أحد، لأنك لن تجد من يردعك، أو يقول لك هذا سيئ فاجتنبه.