بقلم : علي أبو الريش
لأن المرأة شجرة، فهي الظل، وهي المسافة ما بين الأغصان والأوراق، هي بؤرة النظر في الأحداق، هي أشواق الوجود في مد المدى إلى غد مشرق، رائق، فائق، متدفق في أرجاء الإنسانية، كما يتسرب الماء في أتون الأرض. المرأة الكائن المتحدر من سلالة العطاء، المتجذر في تلافيف الوفاء، المتربع دوماً عند شواطئ المطر، النابض دوماً بأحلام الدفء وأشواق
الشجر، الراسخ في جلباب السماوات، نصوعاً وينوعاً ويفوعاً، وبلوغاً ونبوغاً. المرأة هي ذلك الصوت الهادر في داخلنا، المسافر في محيطات التكوين الأول، المهاجر إلينا، المغادر فينا، المسطر أوراق الدفتر، بأنامل ومناهل، يبغي دوماً السواحل، لكي يستمع إلى وشوشة الموجة، وتغريدة الطير، وصفير القواقع وهي تتخلص من محارات الأرض، المرأة في ميدان العمل
نخلة، وفي البيت فراشة، وفي القصيدة بحر تغرق فيه كل الكواكب والمراكب، وتخنع المناكب والنواكب، والعواقب، والمناقب، والمشاجب، والكواعب، والركائب، لأنها في الوجود سرمد وأثمد، لأنها في السؤال عبارة لا تندد ولا تتبدد، بل تؤكد أن الحياة بناءً وسخاء وعطاء، وانتماء ووفاء، ومشيئة تتجاوز حدود الممكن، هي فوق المستحيل، هي المستطيل بأضلاع الاستقامة
والمقامة، والإقامة، هي في الحدود بلا حدود، ولا حواشي ولا سدود، هي الخيط الممدود من الشريان إلى الوريد، هي هدب الحياكة على قماشة الحياة، تلون وتزين وتمكن وتقنن، هي فوق كل هذا الرمش والعش، والرعاية والعناية والحماية، هي الغواية اللذيذة، هي الوشاية الأولى، هي البداية بلا نهاية.
المرأة في عرف الناس الطيبين حلم الطيور، بنجمة تتألق في فضاءات القلب، وومض الثغور، ساعة تنفض الأرض عن سجادتها غبار الأزمنة، وسعار الأمكنة، هي الأطوار والأدوار، والأنوار والأسوار، والأنهار والبحار، هي المحيط الذاهب في نسيج الزعانف، هي كل الأحاديث، والحديث والسالف. المرأة في الزمان قدرة فائقة، تحمل أجنة الأمل، عندما تغيب الشمس، ويخفق القمر في إسداء نصائحه للنجوم.. المرأة هي الصيت والبيت، من نسل القابضات على جمرات المنى، الذاهبات بالمعنى، إلى حيث يسكن العرف والقيم العالية، هي الفكرة النبيلة التي أنجبت أفكاراً وأخباراً وأسراراً، هي التي خبأت سر البلاغة في معطف الكون، فانسل يبلغنا عن وجود وموجود، وعن أصل المطلق والموجود.
المرأة في حياة النبلاء، النصل والفصل والأصل، وكل المسألة هي نخوة التراب، وصبوة الشهاب، وقدوة الذين يتأبطون حناناً من وحي شريانها المعطاء، ومن سخاء بوحها في الأصداء.
المرأة هي الجمرة في مواقد التضحيات الكبرى، هي السهر عند سواحل التأمل والتزمل والتحمل، هي الاحتمالات القصوى في زمان الإنسان، وكيانه وبنيانه وأشجانه وأفنانه.
المرأة النقطة على الحرف، الخطوة على الدرب، الوثبة ما بين الصحوة والسبات، هي الشمس ساكنة مسكونة في كل الجهات.
المرأة، الاستثمار الحقيقي في بناء المجتمعات، ورخائها وثرائها.
المرأة، بصمة الكلمات، على صفحات التاريخ، وموجاتها المتدفقة من نافذة الوجود.