بقلم : علي أبو الريش
حادث طائرة الإمارات (521 EK) كشف عن مخزون معرفي واحترافي لدى رجال هيئة طيران دبي، ما يؤكد من جديد أن النهضة التي تشهدها دبي سبقتها يقظة، وقبل اليقظة إرادة وقبل الإرادة إرث تاريخي يتكئ عليه القائمون في هذا المجال الحيوي والمهم، وهو عنق الزجاجة وحدقة الإمارات المطلة على العالم.. الإنجاز المبهر في هذا الصدد هو سرعة التدفق نحو مكان الحادث والقدرة الفائقة في جعل الحادث عالمياً ومن دون خسائر في الأرواح.
فإن يطرأ حادث في أي مكان فهذا أمر بدهي، فطالما الحياة مستمر والعمل الإنساني في حله وحلله، فلابد وأن نواجه مثل هذه المفاجآت التقنية، ولكن ما يهم هو كيف نستطيع أن نواجه الحدث بحزم وجزم وصرامة ومهنية عالية تثير إعجاب العالم، ودهشته من طريقة معالجة مثل هذه المعضلات، ما تم بخصوص هذا الحادث استطاع رجال الإمارات أن يحيكوا قماشة العزم بخيوط من حرير، وأن يتفوقوا على ما يحدث بأدوات عقلية خارقة وخبرات علمية فائقة وتفانٍ من أجل إنقاذ الآخرين، والعمل بروح الفريق الواحد، فقد فتحت مطارات الدولة وإمكانياتها البشرية والمادية من أجل إنهاء الحدث من دون توابع مؤلمة، وبخاصة أن الطائرة العملاقة كانت تقل ثلاثمائة راكب ما يجعل المهمة صعبة أمام حريق اشتعلت ألسنته فجأة، ولكن عنصر المفاجأة هذا لم يربك الرجال الأوفياء، ولم يثر فزعهم وجزعهم، بل إنهم تواكبوا في صف واحد كالبنيان المرصوص واستطاعوا أن يبشروا العالم خلال فترة وجيزة أن الحريق الذي شب في مقدمة الطائرة انتهى إلى لا شيء وأن الركاب خرجوا من بؤرة الخطر سالمين غانمين مفعمين بالفرح والسعادة، فخورين بالرجال الذين انسلوا مثل خيوط الإبر وسط النيران، وانتشلوا الركاب، بحيث لم يتوانوا عن تعريض أنفسهم للخطر بشرط ألا يمنى أحد الركاب في مصيره.
ما حدث حقيقة يلفت النظر إلى دبي، لمنطقة من هذا العالم تضاء بالإنجازات المدهشة وعلى مختلف الصعد، منطقة مزروعة بعشب الإبهار والإبحار في محيطات بياض موجها من عرق النبلاء وصفاء الماء، من هذه العقول النيرة التي باتت تخبرنا في كل صباح بمنجز يضعنا أمام واقع الإبداعات المتسلسلة مثل عناقيد النخيل، مثل أغصان الشجر السامقة الذاهبة دوماً إلى العلا، تخاطب النجمة عن سر الضوء، وتحكي للسحابة عن جمال القطرات على عشب الحياة.. دبي هي هكذا، تمارس الإبداع، كما هو النبض في الصدر، وكما هو التنفس في الرئة.. دبي هي هكذا تختزل الحضارات على هذه الأرض فتبدو معجماً لكل اللغات.. لكل الطموحات.. لكل الإرادات الطالعة نحو السماء الذاهبة نحو الأفق.