بقلم - علي ابو الريش
بعض البشر، كما بعض الدول، مثل الحشرات الليلية، إنها تذهب إلى النار بحثاً عن الضوء، ولا تعلم أن في جوف الضوء تكمن النار التي تحرق وتمزق، لا تعرف هذه الحشرات، أن الضوء الذي تسعى إليه ليس إلا محض خيال (أنوي)، بعثت به الأنا المتورمة إلى المخدوعين بصورها الوهمية.
في مثل هذا الواقع الأليم الذي تغطس به عقول من خدعتهم العقول، وقالت لهم: إنهم يملكون عصا موسى، فما أن يرفعوا رؤوسهم حتى ينشف البحر أمامهم، وترتج الأرض من تحت أقدامهم، وتهتز لهم الجبال، وتميد التضاريس، ويصبحوا هم سادة العالم، وقادة قوافلهم، وأصحاب الكلمة الفصل في تغيير وجه العالم، ولا راد لإرادتهم. هكذا نرى، ونسمع من تهديدات إيران، ورعدها، وزبدها، ورغوتها الصابونية الفاسدة، والتي لا تعبر إلا عن عقل بات في موت سريري، لا يملك غير الشهيق، والنهيق، والنقيق، والزعيق، في فراغات عالمية مضت المشاعر الإنسانية، وأجهضت كل مسعى إنساني للخروج من صهد هذا التوعك في الوعي.
عندما يقع الإنسان فريسة اللاوعي، وعندما تفترسه مشاعر مشوهة، وأفكار ما قبل النوم، يصبح مستلباً مثل خنفساء الروث، التي تحاول الصعود بروثها إلى مرتفع منعزل، إلا أنها تفشل في تحقيق أهدافها لأنها لا تستطيع الارتفاع بحمولتها إلى أكثر من أخمص قدم، ولكنها تظل تكابر، وتغامر، وتقامر، إلى أن تهلك، وتقع الحمولة في الحضيض. شهوة التضخم، وذهان البارانويا، تملك من إرادة قادة إيران، وأصبحوا يصدقون الكذبة التي اصطنعوها، وذهبوا بعيداً في الكذب والافتراء على الحقيقة، ويعتقدون أن العالم لا يفهم ولا يعلم، ماذا يختبئ تحت هذه الملاءة السميكة، وأنهم يستطيعون تمرير مثل هذه الأكاذيب. نقول لهم رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، فلا يجب أن ينخدع هؤلاء القادة، ولا يخدعوا غيرهم، فإيران ستظل إيران، وليست الصين ولا روسيا. الإمكانيات محدودة، والقدرات على مواجهة العالم لن تتعدى مفرقعات أقرب إلى الفقاعات، وعندما صرح الرئيس الأميركي ترامب، أن الحرب مع إيران لن تدوم طويلاً كما يتوقع الإيرانيون، وهذا التصريح أن إيران لن تواجه دولة بحجم العراق في الثمانينيات والتي استمرت فيها الحرب ثماني سنوات، إيران ستواجه دولة عظمى لديها إمكانيات الحرب عن بعد، ومن دون أن تمس أراضيها بشظية طائشة. هكذا يقول المنطق، فهناك فرق ما بين إيران وأميركا، كما هو الفرق بين الثرى والثريا. يجب أن يعي قادة إيران معنى أن تواجه دولة لها من الإمكانيات ما يعجز العقل عن تعدادها. ولكن ربما العقل الإيراني مازال يعيش حلم الإمبراطوريات البائدة، وهذه هي المعضلة.