الحب في زمن كورونا «6»

الحب في زمن كورونا «6»

الحب في زمن كورونا «6»

 صوت الإمارات -

الحب في زمن كورونا «6»

علي ابو الريش
بقلم - علي ابو الريش

في الصباح الباكر كان يصيخ السمع إلى صوتها الشائخ، كان يبدو صوتها عبر الهاتف، كأنه رنين كائن يختنق في جوف بئر سحيقة. ويتردد صداه في أذنيه موسيقى جنائزية تعبر ضيق القلب، ثم تمر من خلال الدم في جسده، الذي بات عاجزاً عن حمله.
قالت له في مرة: لا تجزع يا بني، إنها فترة عابرة، وسوف تمر، المهم كن يقظاً، ولا تعرض نفسك للمجازفة، وسوف أنتظرك، ولن أموت قبل أن أراك، المهم في الأمر أن يستقر كل منّا في مكانه، وننفذ توصيات الجهات الطبية بحذافيرها، وقد سبق للعالم بأن مرّ بجوائح أكثر خطورة، ونجا الملايين، وانبثقت الحضارة من ثنايا تلك التجارب العصيبة، والإنسان يا بني هو راعي هذا الكون، ويستطيع أن يخرج من بين الدخان، بعلامة بارزة تدل على قوته.
كان الصوت المتهدّج يخرج من حنجرتها مثل حرحرة الأحجار المتدحرجة من علو شاهق، وكان يعلم أن أمه تتحدث بهذه اللغة من باب التحفيز، وقد لمست في محادثاته أنه يمر بفترة عصيّة على التحمّل، وأنه يشعر بتأنيب الضمير كونه لا يستطيع الاقتراب منها لأسباب تخص المرض.
في المساء يتلقى منها مكالمة، تحثّه على الصبر، وتحاول أن تزرع الأمل في قلبه، لأنها تعلم مدى تعلّقه بها، ومقدار الحب الذي يكنّه لها، وقد وقفت الظروف حائلاً دون زيارته لها، ويشعر بالألم عندما يتذكّر الأمسيات التي كانت تجمعه بها مع الأشقاء والشقيقات، وكانت على الرغم من بلوغها الثمانين من العمر، إلا أنها كانت تتمتّع بعافية تجعلها قادرة على القيام بواجبات الضيافة، عندما كان يطل عليها في الإجازة الأسبوعية، وكانت تحتفل بوجوده، وتشعل أضواء البيت، حتى تبدو المصابيح المحيطة بالمنزل، مثل النجوم التي تحتضن قارة تحتفل بمناسبة دينية، وكانت الغرف والأروقة، والصالة الضخمة، تتضمخ برائحة البخور، وفي كل زيارة كان يدهش بتغيير الأواني، وترامس الشاي والقهوة، والفناجين، والكؤوس، وكانت تفخر بحبها للتغيير، ولا تجد ما يمتعها أكثر من عثورها على أجمل أواني الخزف المنقّشة برسومات مبهجة. 
وعندما كانت تجلس أمامه وهي تسكب قهوة الصباح، كانت تأخذ نصيبها من القهوة المقندة برائحة الهيل والزعفران، وعندما يستمع هو إلى صفير شفتيها وهي تسحب الرشفات من فم فنجان القهوة، كان يشعر برفاهية ما يعاصره من زمن جعله يظفر بأم تمتلك شاعرية المبدعين الأصلاء، الذين يقيمون للحياة احتفالية أبدية لا نهاية لبريقها.
في ذلك المساء، في يوم قبل الإجازة الأسبوعية، هاتفها بلغة مترفة بالفرح، وقال طرباً: انتهى الحجر يا أمي، وسوف يكون يوم غد هو يوم احتفالنا بأول لقاء بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر.
على الرغم من غياب صوتها، وإحساسه بوهن نبراتها، إلا أنها نفت أن تكون تعاني من أي علّة، ولكنه أصرّ على معرفة أسباب تغيّر صوتها، فأجابت أنها تعاني من نوبة برد خفيفة، وسوف تعالجها كعادتها بالأدوية الشعبية التي تحتفظ بها في البيت، وعلى إثر هذه الكلمات المتفائلة، اختفى توتره خلف الصورة المشرقة للقاء الغد.
ولكن في الغد، في اليوم الذي حطّت به الرحال، في بيت أمه، كان الأمل قد تلاشى، وانتهت الرحلة إلى مكان آخر غير البيت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحب في زمن كورونا «6» الحب في زمن كورونا «6»



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 00:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 01:57 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عقبة تُواجه محمد صلاح وساديو ماني أمام برشلونة

GMT 05:18 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ريماس منصور تنشر فيديو قبل خضوعها لعملية جراحية في وجهها

GMT 17:03 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

استقبلي فصل الخريف مع نفحات "العطور الشرقية"

GMT 04:38 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

خدع بسيطة لتحصلي على عيون براقّة تبدو أوسع

GMT 01:20 2013 الأحد ,21 إبريل / نيسان

دومينو الـ10 ألاف "آيفون 5 إس" الجديد

GMT 01:14 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الإقامة الفاخرة في جزيرة جيكيل الأميركية

GMT 20:41 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

إريكسون يؤكد أن ساوبر أنقذت نفسها من موسم "كارثي" في 2017

GMT 10:32 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

دلال عبد العزيز تكشف عن تفاصيل دورها في "سوق الجمعة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates